الأهرام
د.محمد مختار جمعه
قصص القرآن (1)
قصص القرآن الكريم أحسن القصص، وأجمل القصص، وأعذب القصص، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ»، «وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا»، «وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا». وليس قصص القرآن الكريم للتسلية، أو لمجرد التسرية عن نبينا صلى الله عليه وسلم، إنما هو للعبرة والعظة، يقول الحق سبحانه: «لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»، وكثيرًا ما عُقب على قصص القرآن بما يفيد ضرورة التنبه لمواطن العبرة والاتعاظ من نحو قوله تعالى: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ»، «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى»، «إن فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى»، «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ»، «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ».

وسنبدأ بالحديث عن قصة سيدنا يوسف عليه السلام، كونها القصة الوحيدة التي أفردت لها سورة كاملة من مبدئها إلى منتهاها، وجاءت أحداثها مكتملة مجتمعة في سورة واحدة، سميت باسم نبي الله يوسف عليه السلام، الذي قال عنه نبينا صلى الله عليه وسلم: «الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم«، عليهم جميعًا وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أزكى الصلوات وأتم التسليم ، وكانت العرب تطلق على من يتصل الكرم وعراقة النسب في ثلاثة من آبائه وأجداده «المعرق« أي عريق النسب والفضل. وقد قال بعض أهل العلم إن سورة يوسف لا يقرؤها محزون إلا استراح، وقال بعضهم: سورة يوسف ومريم عليهما السلام مما يتفكه به أهل الجنة في الجنة. وفيها يقول الحق سبحانه : «لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ».

وهنا نتعلم أهمية سلامة الصدر من الأحقاد والأجساد، فسلامة الصدر راحة لصاحبها في الدنيا ومنجاة له في الآخرة، يقول الحق سبحانه: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ»، فالأمر كله لله يعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويهب ما يشاء لمن يشاء وقتما يشاء، وله الأمر كله، فمن سلّم له بحكمته في كونه فله الرضا، ومن سخط فله السخط، فلا تنازعه في سلطانه ، ولا تعترض عليه في منعه أو عطائه.

ذلك أن إخوة يوسف عليه السلام نقموا عليه حب أبيه له ، فعملوا على التخلص منه بأي طريقة تبعده عن وجه أبيهم، غير أن وجه أبيهم لم يخل لهم، إذ إن ما عند الله عز وجل لا ينال بمعصيته إنما ينال بطاعته والتسليم لأمره وقضائه وحكمته.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف