المصريون
جمال سلطان
مسلسل تهريب الآثار المروع وغياب الأجهزة الرقابية
في مسلسل تهريب الآثار الذي تفاقم وتعاظم خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة واستباح خطوطا حمراء غير مسبوق جرأة أحد على تجاوزها ، هناك ملحوظة واضحة ، وهي أن كل المعلومات التي تكشفت عن تلك الجرائم كشفتها مصادر أجنبية ، ووسائل إعلام أجنبية ، وأجهزة رقابة أجنبية ، لا يوجد حادثة واحدة كبيرة في تلك الجرائم المروعة كشفتها أجهزة مصرية أو وسائل إعلام مصرية أو أي جهة مصرية ، تبدأ الجهات المصرية تناول الواقعة بعد أن يتم فضحها من قبل مؤسسات أجنبية أو وسائل إعلام أجنبية ، فتبدأ الصحف والفضائيات المصرية تتحدث ـ بحذر شديد ـ عن تلك الوقائع ، ونسمع عن تحركات للتحقيق سرعان ما تختفي ولا نعرف شيئا عنها ولا تظهر لها أي نتائج .
في واقعة تهريب تابوت فرعوني أثري طوله متران ، من مطار القاهرة الذي يشهد تلك الآونة إجراءات تفتيش عالية ، لا تمر منها زجاجة عطر صغيرة ، لكنه سمح بتهريب تابوت أطول من مفتشي الجمارك أنفسهم ، لم نعرف بتلك الجريمة إلا من الأجهزة الكويتية ، ومن الإعلام الكويتي ، ومن رجال الجمارك في مطار الكويت الدولي ، ولولا ذلك لمرت تلك الجريمة المذهلة بصمت وذهب التابوت إلى وجهته اللصوصية بدون ضجيج ولا صخب ، وفي واقعة تهريب آلاف القطع الأثرية في حاوية ـ حاوية يا مؤمن ! ـ تحمل حصانة الحقيبة الديلوماسية ، من ميناء الاسكندرية إلى إيطاليا ، حيث عالم الجريمة والتهريب وغسيل الأموال ، لم نعرف شيئا عن الواقعة إلا عندما كشفتها الجهات الرقابية في ايطاليا ، وبعد أن تناولها الإعلام الإيطالي والصحافة الإيطالية ، فبدأنا ـ بحذر شديد ـ نتحدث عنها ونطرح أسئلة خجلى عن كيفية خروج "حاوية" آثار من أكبر ميناء بحري مصري بتلك السهولة .
وحتى بعد أن تتكشف تلك الفضائح على يد الجهات الأجنبية ، لا نجد أي نشاط يذكر للأجهزة الرقابية المصرية أو جهات التحقيق ، رغم أنها جرائم مال عام ضخمة وهائلة ، تصل إلى مئات الملايين من الدولارات ، لا أحد يعرف في أي جيب تذهب ، فضلا عن أنها آثار أمة وشعب ووطن لا تقدر بثمن ، حتى لو بذهب الأرض كله ، ومع ذلك نتعامل معها ببرود مؤسسي ، وكأنها حادثة نشل في مترو الأنفاق مثلا ، ولا تشغل بالك يا مواطن ، وهو ما يفاقم من الشكوك والهواجس التي تتردد على ألسنة الناس حاليا ، وأثق أن الجهات المعنية تصلها تلك الأحاديث التي لا تخرج في العلن تحت ضغط الخوف .
شخصيا ، أقدر الدور الذي تقوم به هيئة الرقابة الإدارية ، والتي نجحت في اختراق مجالات لم يخترقها أحد قبلها ، خاصة في مجال فساد القضاة وانحرافاتهم ، حيث ضبطت أكثر من واقعة إجرامية لقضاة ، يساومون نساء على شرفهن من أجل أن يحصلوا على حكم من "منصة العدالة" لصالحهن في بعض القضايا ، أو يساومون بعض المتقاضين على مبلغ الرشوة والذي يصل أحيانا لملايين الجنيهات من أجل أن تصدر "منصة العدالة" حكما لصالح طرف ضد آخر بالباطل ، وتتحول "منصة العدالة" في مصر إلى "منصة الظلم والفساد والإفساد في الأرض" ، نجحت الرقابة الإدارية في ضبط أكثر من قضية في هذا المجال كان للكشف عنها ضجيج ، ولا توجد جهة أخرى في الدولة تملك تلك الجرأة على تتبع تلك القضايا .
لكن العتاب مستحق للرقابة الإدارية عندما يغيب صوتها وبصمتها عن ملف تهريب الآثار المتفاقم ، فلا يصح أن تنشغل الهيئة في قضايا فساد بآلاف الجنيهات ، بينما يغيب جهدها عن قضايا بمئات الملايين من الدولارات ، خاصة وأن حجم عمليات تهريب الآثار الأخيرة وجرأتها تكشف أن وراءها أصحاب نفوذ وأصحاب خبرات وبالتأكيد اختراقات لمؤسسات الدولة بما يسمح بعمليات تهريب ضخمة بتلك السهولة ، رغم كل إجراءات الأمن والجمارك في المنافذ ، من يرتكب تلك الجرائم بهذا الحجم فاجر ، وعينه جامدة ، كما يقول العامة في تعبيراتهم ، ومطمئن لحمايته ، ولا يخيفه شيء ، لديه جرأة كأنه محصن ، فهل يمكن أن نسمع عن جهود هيئة الرقابة الإدارية وتحقيقاتها الجادة في هذا الملف الذي يشغل بال الرأي العام بقوة ، ويسيء إلى سمعة الدولة المصرية عالميا ؟ ، أرجو ذلك .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف