اليوم السابع
عباس شومان
عمرو بن العاص
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده، وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم القيامة.

سيدنا عمرو بن العاص وفتح مصر:

«ما ينبغى لأبى عبدالله أن يمشى على الأرض إلا أميرًا»

هذه الجملة كان يكررها دائمًا سيدنا عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فى حق داهية العرب، أبى عبدالله عمرو بن العاص السهمى القرشى الكنانى، ابن سيد بنى سهم من قريش، الذى جمع بين المهارتين العسكرية والسياسية، فصار قائدًا محنكًا وسياسيًّا بارعًا، فموهبته الأساسية الذكاء الفطرى الذى حباه الله إياه، لكن مواهبه فى الحقيقة تعددت وفاقت ذلك بكثير، فهو فارس نبيل شجاع، وشاعر مرهف الحس، كما أنه تاجر ناجح فى تجارته، وهو محاور حسن المحاورة، حتى أن المسلمين لما هاجروا إلى الحبشة لم تجد قريش أفضل منه لترسله إلى النجاشى ليقنعه بردهم إلى مكة، كما أنه لما أراد أن يعلن إسلامه التقى وهو فى طريقه إلى المدينة بصاحبيه، خالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة، فلما دخلوا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نظر إليهم وقال جملته الشهيرة: «رَمَتْكُمْ مَكَّةُ بِأَفْلَاذِ كَبِدِهَا»، فيتقدم سيدنا خالد بن الوليد أولًا ويعلن إسلامه، ويرقب ابن العاص هذا المشهد ليتقدم بعد ذلك، ويبسط يمينه للمبايعة ثم فى حركة غريبة يقبضها قبل أن تصافح يد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيقول صلى الله عليه وسلم،: مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟ فقال: أردتُ أنْ أشترطَ، فقال صلى الله عليه وسلم، تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟ قال: أنْ يُغْفَرَ لِى، فقال صلى الله عليه وسلم،: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسلامَ يهدمُ ما كان قبله؟ وأنَّ الهجرةَ تهدمُ ما كانَ قبلها؟ وأنَّ الحجَّ يهدمُ ما كانَ قبلهُ؟

إنه الفارس الفطن الذى لا تغلبه العاطفة حتى فى أهم لحظات حياته وهو يقف بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهد شهادة الحق، وكأنه ينادى قائلًا: يا شباب الأمة انظروا حولكم دائمًا وأنتم تأخذون قرارًا مهمًا فى حياتكم، وبعد إسلامه يقترب أكثر وأكثر من المعلم والمربى والقدوة فيزداد إيمانه ويقينه، حتى يقول النبى صلى الله عليه وسلم: إِنَّ عمرو بنَ العاصِ من صالحى قريشٍ، ويقول: ابنا العاصِ مؤمنانِ هشامٌ وعمرٌو، ولأن النبى - كما سبق أن قلنا - خبير بأقدار الرجال ومهاراتهم وقدراتهم، يكتشف مواهبهم ويوجهها التوجيه الصحيح، ويعلم أن سيدنا عمرو بن العاص يملك المواهب القيادية والإدارية، وأنه واسع الحيلة، قوى الملاحظة، وعبقرىّ فى تدبير الأمور، فيولّيه قيادة بعض الجيوش والسرايا، كما فى سريَّة ذات السلاسل فى جُمَادَى الآخرة فى السنة الثامنة من الهجرة، وتظهر موهبته الميدانية فى هذه المهمة ويتحقق النصر على يديه، وفى طريق العودة يهاجم البردُ الشديد الجيشَ قليلَ العدد؛ فيرغب الصحابة فى إيقاد نارٍ لتحميهم من برودة الجو، لكنه يرفض بإصرار وينفذ الصحابة الأمر ويشكونه إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعد العودة، فيرد بأنه كان يخشى أن يلتفت العدو لقلة عدد المسلمين فيهاجمهم، فيشيد النبى، صلى الله عليه وسلم، بعمله هذا وبحُسن تدبيره، ويعينه واليًا على عمان، ويبقى فى منصبه هذا حتى انتقال النبى، صلى الله عليه وسلم، إلى الرفيق الأعلى، وتفرض موهبته نفسها على الجميع، وقد كان لذكاء سيدنا عمرو، رضى الله عنه، الفضل بعد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، فى اعتناق المصريين الإسلام، فقد كان يتمنَّى فتح مصر وتخليصها من يد المحتل الرومى، وحاول مرارًا وتكرارًا إقناع أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، حتى اقتنع أخيرًا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف