الوفد
إبراهيم الصياد
لمبة البنزين منورة!
أرسل لى أحد الأصدقاء رسالة عابرة لكنها ذات مدلول ومغزى، على أى حال أدعها للقارئ كى يتأملها ونحن فى الشهر الكريم تقول الرسالة:

«كاد ينفد البنزين من السيارة بينما كنت مسافراً منذ أيام مع أسرتى وتجاوز الوقت الساعة الثانية بعد منتصف الليل وقبل التحرك من مكانى لاحظت أن لمبة البنزين منورة ورغم ذلك توقفت وقمت بشراء بعض اللوازم من سوبر ماركت ملحق بمحطة وقود.. وبعدها انطلقت بالسيارة تذكرت وأنا فى الطريق إننى نسيت تعبئة السيارة بنزين!

وكانت أول مرة فى حياتى أذهب للمكان الذى أسافر إليه، لذلك لم أقلق فى البداية ظناً منى أننى سأجد الكثير من «محطات الوقود» فى الطريق غير أنه مع مرور الوقت واشتداد حلكة الظلام حيث كان الطريق موحشاً بدأ القلق يتسرب إلى نفسى، اتصلت بصديق وعلمت منه أن أقرب محطة بنزين تقع بعد مسافة طويلة جدا ما جعل القلق يتحول إلى رعب!

تضاءلت كل المشاكل التى كانت تشغلنى منذ دقائق وتراجعت كل الاهتمامات والمشاغل والمشاكل وانحصرت الآمال والأحلام والهموم كلها فى «محطة وقود» لدرجة أننى لم أعد أتمنى من الدنيا إلا العثور على «محطة وقود» ثم لاح ضوء من بعيد فدب فى القلب أمل واهن وفرح مُعلق واقتربت من الضوء وسرعان ما اكتشفت أنه لم تكن «محطة وقود» بل استراحة متواضعة جدا شعرت بالإحباط! وسألت رجلا تصادف وقوفه بالمكان عن أقرب «محطة وقود» وتعلق كيانى كله بما سينطقه فى انتظار إجابتة ( بعد ٩ كيلومترات ) قالها الرجل!

كدت أن احتضنه لكنى خشيت أن تكون إجابته غير دقيقة أو «محطة وقود» ليس بها وقود هذه الليلة انطلقت وعيناى لا تفارق لمبة البنزين مرت الثوانى كالدهر أخيراً لمحت من بعيد «محطة الوقود!»، حين وصلت لم يكن هناك أحد جعلت أبحث عمن أكلمه ظهر رجل وسألته عندك بنزين 92؟

قال: نعم كانت أجمل «نعم» سمعتها فى حياتى سجدت لله فوراً.

واستكملت رحلتى بينما يخالجنى شعور أنه قد كتب لى عمر جديد وجاء إلى مخيلتى معنى يأتينى كل رمضان! «رمضان» أصلاً هو: «محطة وقود» تتزود منه لرحلة العام التالى كيف تضيعه؟ كيف تجازف بالموت عطشا بقية الطريق أو العام؟!

كيف تمر بـ«محطة الوقود» الوحيدة فلا تتزود بما يعينك على تحمل مشقة طريق حياتك؟!

وفى حياة الكثيرين قد يكون «رمضان» هو محطة التزود الأخيرة وقد لا يصلون إلى رمضان القادم للتزود بالتقوى والإيمان قبل لحظة المثول بين يدى الله!!

قد يكون رمضان آخر محطة للتوبة والاستقامة ورد المظالم وبر الوالدين وصلة الرحم والحنو على الأبناء باختصار فى رمضان زاد العودة لطريق الله منهجاً وعملاً وقراءةً وتدبراً.

انتهت الرسالة التى على بساطتها أعدت قراءتها أكثر من مرة ويبقى القول أكيد قد تلهينا مشاغل الحياة عن ملاحظات صغيرة عابرة لكنها عظيمة المعنى والدلالة تنقلنا من حالة الغفلة إلى حالة التصالح مع الله ورمضان كريم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف