الوفد
علاء عريبى
رؤى .. مجرد سوق
لا أظن أن الإدارة الأمريكية ترغب فى تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى الديمقراطية والتعددية، ولا أظن أيضًا أنها تحاول مساعدة حكام المنطقة فى القضاء على الإرهاب والعنف السياسى بشكل كامل وقاطع، وكل ما تفعله هو أن تسيطر على حركة العنف الصادرة من المنطقة، والاستفادة مادياً من دولها الغنية.

المعروف أن منطقة الشرق الأوسط هى السوق الأكبر لمنتجات الغرب، خاصة الإدارة الأمريكية، وفى هذا السوق تبيع الشركات الأمريكية منتجاتها العسكرية والتكنولوجية والغذائية، وعندما ينتشر العنف السياسى فى بعض البلدان، سواء أكان مع دولة مجاورة أو عنفا داخليا تقوم به بعض الجماعات المعارضة (دينية أو أيديولوجية أو عرقية)، تنشغل حكومات هذه الدول فى حروبها، وتنصرف عن الإنتاج والتخطيط للمستقبل، ويسخر حكامها ميزانية الدولة لشراء الأسلحة التى تعينهم على القضاء على العدو.

الإدارة الأمريكية يهمها فى المقام الأول ألا يصل هذا العنف إلى مدنها ومنشآتها، وقد تساعد حكام المنطقة على هذا القدر، بمعنى تساعدهم لا لكى يقضوا على العنف بشكل نهائى، بل على قطع ذراعه التى قد تصل إلى المدن والشوارع الأمريكية والأوروبية، لأن القضاء عليه يعنى إغلاق سوق لبيع الأسلحة والمهمات العسكرية وبعض الأغذية السريعة والمعدات الطبية والأدوية والمستشفيات المتنقلة، ويعنى أيضًا إيقاف الخط الساخن بين مخابرات هذه الدول.

منطقة الشرق الأوسط سوق كبير لتصريف منتجات وسياسات ونفايات الغرب، وحكام بلدان هذه المنطقة هم الخفراء على هذا السوق، يشرفون على دخول وتصريف المنتجات، والإدارة الأمريكية حريصة على أن يظل السوق مفتوحا، وفى استقرار هذه البلدان ما يهدد تصريف هذه المنتجات، لأن الدول المستقرة تتجه إلى البناء وإلى الإنتاج، وهو ما يعنى توفير على الأقل نصف ما تستورده من الخارج، وهو ما يعد خرابا وركودا وبطالة.

كما كان من المنطقى أيضًا أن تطالب الإدارة الأمريكية هذه الحكومات بمزيد من الديمقراطية والحريات، لكن بالقدر الذى لا يتيح نوعا من الاستقرار، فمع الديمقراطية والتعددية يختفى العنف، ويتحول المعارض من العمل السرى إلى النقد العلنى، لذا نخطئ كثيراً عندما نعول على الإدارة الأمريكية وغيرها من الحكومات الأوروبية فى الضغط على الحكام العرب لكى يمنحوا شعوبهم مزيدا من الديمقراطية، وعلى الشعوب أن تتعلم جيدا أن الحريات تؤخذ ولا تمنح.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف