لا أتحدث هنا عن الأميرة قطر الندى ابنة خمارويه، التى يقال إن تكلفة زفافها إلى الخليفة العباسى المعتضد بالله قد أفلست مصر. لكننى أتحدث عن مجلة قطر الندى التى تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، والتى لا تكاد تكلفة زفاف بضعة آلاف قليلة من أعدادها إلى قلة من أطفالنا تصل إلى بضعة آلاف قليلة من الجنيهات. تلك المجلة نصف الشهرية التى تستهدف الناشئة والأطفال فى سن القراءة، شرفت برئاسة تحريرها لما يزيد على مائة عدد، وأدرك تماما أهمية أن يستمر إصدارها بسعر زهيد حتى تتمكن بعض الأسر المصرية الكادحة المهتمة بتثقيف صغارها من تقديمها إليهم مرتين طوال الشهر.
أكتب هذه الكلمة بعد أن تأكدت من اعتزام وزارة الثقافة رفع ثمن قطر الندى لثلاثة أضعاف مرة واحدة، تماشياً مع سياسة الدولة فى رفع الدعم عن الأطعمة والمحروقات والكهرباء والماء والمواصلات. هنا يجب أن نصرخ قائلين إن توفير بضعة آلاف قليلة من الجنيهات لن يغنى وزارة الثقافة بقدر ما سيفقر عقول الأطفال الذين ستعجز أسرهم عن توفير متعة القراءة الدورية لهم.
إن توفير بند الإنفاق على الطعام والشراب فى احتفالية واحدة من احتفاليات وزارة الثقافة الكثيرة التى تُهْدَرُ الملايين فى إخراجها على أعلى المستويات يكفى لإصدار قطر الندى بسعرها المدعوم لسنوات طويلة قادمة، ولو كان الأمر بيدى لأنفقت الملايين على إصدار مجلات أخرى مثلها، تغرس فى عقول أطفالنا قيم الحداثة والدولة المدنية التى تحمى التنوع والاختلاف وتنبذ الطائفية، لأوفر على بلادى عشرات المليارات التى تنفقها فى محاربة الإرهاب بالسلاح.
لا أذكر قائل عبارة أعطنى مدارس الأطفال لكى أصنع لك عالماً سعيداً، لكننى أتفق معه تماماً، لأنى أعرف أن رفع الدعم عن ثقافة الطفل وتنمية خياله فى بلد يعانى من الإرهاب الفكرىّ هو أسرع طريق لخلق واقع أشد تطرفاً وتعاسة.
كما بح صوتنا دفاعاً عن حق الناس فى استمرار دعم الدولة لسلع ضرورية غير ترفية، كوسائل المواصلات العامة، يصنع توفيرها بسعر متاح للكادحين ضمانة للسلم والأمن الاجتماعيين، نصرخ الآن آملين أن يسمع صوتنا أحد ونقول: قطر الندى، وغيرها من مجلات الطفل، وسيلة مواصلات آمنة إلى مستقبل أفضل، نحلم به دائماً ولكننا للأسف نقوم عادة بعكس ما يضمن وصولنا إليه.