الرأى للشعب
مـصطفـى زكـى
"حياة كالحياة"

مجموعة من الأفراح الصغيرة.. والأحزان أيضا.. مازالت عالقة بالذاكرة كشمس لا يدركها أفول.. لهفة انتظار مسحراتى القرية الذى يبدأ رحلته اليومية قبل العاشرة مساءً، مدركًا أنه يمنح سعادة لا تعادلها سعادة للأطفال جميعهم - مسلمين وأقباطا - لا يعنيه فارق ساعات يفصله عن موعد السحور المنتظر.. فوانيس الشمع مع بعض اللسعات المؤلمة حد الضحك فى احتفال جماعى تضفى عليه عشوائيته جمالا لا يستطيع تصويره أو تصوره أهم مخرجى السينما فى العالم.. مباريات كرة القدم تحت أمطار شتاء أو حرارة شمس فى صيف بشارع أو بين منزلين، مع تحذيرات طفولية حثيثة من أن تعلو الأصوات خوفًا من إنهاء المتعة بفتحة مباغتة لنافذة خلفها رجل يصرخ ويتوعد بعقاب سيطال حتما من يراه فى ذلك المكان" الملعب" المجاور لمنزله بعد لحظات.
"حواديت" الجدة ـ المخيفة غالبا ـ بصوت خفيض تتغير طبقاته طبقا للموقف وللصوت المفترض خروجه من أبطال الحكاية كل على حدة، لدرجة لا يمكن معها تصور أنها من نسج الخيال الشعبى المتوارث.. ثم الجائزة الكبري بنوم آمن مطمئن بين أحضان أم.. كانت كل الحياة.
فترة زمنية فى سنوات العمر الأولى لم يحيها أبناؤنا المظلومون بفعل التكنولوجيا القبيحة والشاشات اليابسة المملوءة زيفا ومراوغات.. كما حرموا فترة زمنية أخرى وفى أعمار أكبر قليلا حملت فى سنواتنا الأولى دفء جلسات الأهل والأصدقاء الذين تحولوا- معظمهم- الى افتراضيين فى عالم افتراضى يعايشون خلاله كل قباحات العالم.. صاروا اطفالا عجائز مرتابين دوما مما لا تستوعبه عقولهم ولا تعى قسوته بكارة ارواحهم.. ناهيك عن مناهج دراسية مكدسة جامدة لا تخلق الا اذهانا تحمل الصفتين نفسيهما.. مع متابعة دائمة لخطط وأفكار جهنمية لا يعلمون مصيرهم جراءها.. يتابعونها أمام الشاشات الملونة او الزرقاء التى لا تخلو من سواد حداد فى كل حين.. يتابعونها فى مناقشات الآباء الساخطة عادة المرتابة فى كل قرار يصدر.. فالتجارب المريرة الفاشلة اكثر من القدرة على احصائها.
يرون الكره محاصرًا الرؤى.. الصراعات تحتل الآفاق.. يشهدون الهوة السحيقة بين شفاه جافة تحت جباه مجعدة لا تُرفع إلا دعاءً بزوال البلاء.. واخرى لاتغادرها ابتسامات صفراء أسفل جباه عريضة لا تخفض الا تعاليا.
أخبروا ابناءكم ان الحب هو جذر الحياة على هذه الأرض.. علموهم ان يحبوا الله وجميع مخلوقاته.. أوصوهم بأن يحبوا ليعيشوا الحب ويمنحوه للآخرين طاقات متجددة وقدرة على مقاومة ما عداه.. املؤوا قلوبهم وعقولهم بـ سر الحياة.
علموهم ان الاحلام قابلة للتحقق.. ان يحييوا حالمين.. فان سقط حلم صاروا قادرين على خلق آخر أقوى وأعمق.. علموهم أن الله يحبهم ولا يتحين- حاشاه- فرصة خطيئة لعقابهم.. وإذلالهم.
تمسكوا بما بقي عالقًا فى ذاكرة الشمس، وان حاولت حجبها سحب كثيفة غير ممطرة.. تمسكوا بما بقي فى ارواحكم من أفراح صغيرة وأحزان شفيفة.. ورثوها لهم.. عيشوها معهم علّنا نستطيع - بهم ومعهم ـ أن نحيا "حياة كالحياة".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف