بر الوالدين مبدأ أساسي لدي لذين استقر نور الإيمان في قلوبهم خاصة الأم لأنها هي التي تحتاج إلي الرعاية وإضفاء الحنان علي التعامل معها. والرقة في الحديث إليها كما أن أحسن الخلق وقوة الاحتمال التي تجعل الأم في قلب هؤلاء المؤمنين يحوطونها بكل الحب ويتحاملون علي أنفسهم حين تتعرض ست الحبايب لأي مكروه. فها هو أويس بن عامر القرني. رجل من أهل اليمن انطبقت في حقه كل الصفات التي أشرنا إليها في المقدمة التي تصدرت هذه السطور.
هذا الرجل اليمني كانت مهمته رعي الغنم وبذل الجهد في رعايتها والحفاظ خلال رحلتها وسط المراعي. ومن المصادفات أن "أويس" قد أصيب بمرض جلدي آثاره ظاهرة علي جسده. ومن السمات التي تميز بها هذا اليمني أنه كان يختص باهتمام وقوة احتمال لا تعرف التهاون. فكان عندما يعود من رحلة الرعي بالغنم يستفسر عن احتياجات الأم.. ويلبي كل طلباتها. وفي المقدمة كان يقدم لها الطعام ثم ما تحتاجه من ملابسها. ومن اللافت للنظر أن الأم كانت لا تنام إلا علي كتفيه فكان يحملها ويظل محتملاً هذه المشاق حتي تأخذ الأم كفايتها من النوم. لم يتطرق إليه الألم رغم إصابته بمرض البرص وهو مرض جلدي شديد المرارة والآلام المبرحة وكانت هذه المهام تتكرر يومياً.
هذا الرجل اليمني تطلع الله إلي عمله الطيب فخصه بميزة تقديراً لدوره في رعاية وإكرام أمه.. وها هو سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم يخبر الناس بأنه من الذين يستجيب الله دعاءه. حتي أنه قال صلي الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا لقيت هذا الرجل اليمني فأسأله أن يدعو لك وهذه الوصية من جانب رسول الله صلي الله عليه وسلم تشير إلي ضرورة أن يحرص عمر علي المتابعة وترقب الوفود القادمة من اليمن حتي يلتقي هذا اليمني. استقرت هذه الوصية في قلب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه يدرك أن الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم لم ينطق عن هوي وإنما عن وحي يوحي وظل يراقب القادمين من أهل اليمن إلي أرض الحجاز خاصة في موسم الحج واستمر في المراقبة حتي بعد وفاة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم. لم يغب هذا الهدف عن خاطره لأنه يريد دعاء هذا العبد الصالح تنفيذاً لوصية الرسول صلي الله عليه وسلم وبعد فترات من الانتظار جاء إلي أرض الحجاز حجاج من أهل اليمن ومن المصادفات أنه سأل كل الوفد قائلاً: هل لديكم أفراد آخرون؟ فقالوا: هناك رجل لرعاية الراحلة فانفرجت أساريره وقال في لهفة: احضروه. ولما وصل إلي المجلس دار حوار قصير بينه وبين أمير المؤمنين عمر وسأله ما اسمك فأخبره بأنه أويس بن عامر ثم تأكد أبوحفص عمر رضي الله عنه من الامارات التي أشار إليها الرسول صلي الله عليه وسلم. وهنا قال له عمر: أسألك أن تدعو لي لأن الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم أخبرنا بأنك مستجاب الدعوة.. ثم سأله ما مقصدك فقال: الكوفة فقال هل اكتب لك رسالة إلي حاكمها فقال أويس: لا.. أحب أن أعيش وسط عامة الناس ولا حاجة لي بذلك.. تلك هي سمة المتقين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً.