الرأى للشعب
إبـراهـيـم أبـو كيـلة
الأمم المتحدة ومصير العصبة

عندما أنهكت الحرب العالمية الأولى الدول الاستعمارية المشاركة فيها .. خطر ببالهم فكرة إنشاء كيان ينظم علاقاتهم .. ويقلل فرص التصادم فيما بينهم .. ليتفرغوا لنهب ثروات البلاد الواقعة تحت احتلالهم وسيطرتهم .. فأنشأوا ما يسمى بعصبة الأمم .. وبالفعل كانت عصبة أو بالمعنى الأدق عصابة .. وأطلق عليها البعض "عصبة المنتصرين" .. حيث قسمت الدول الاستعمارية الكبرى فيما بينها تركة الدولة العثمانية وألمانيا بشكل مقنن فيما عرف بنظام الانتداب .. وعندما تعارضت مصالحهم وتصادمت .. لم يستطيعوا الاستمرار فى اللعبة .. وأن يتجنبوا الصدام فيما بينهم .. خاصة ألمانيا التى كانت قد انضمت إلى العصبة فيما بعد وأصبحت العضو الدائم الخامس فى العصبة .. وكثرت الانسحابات من العصبة فانهارت وانحلت .. ووقعت الحرب العالمية الثانية.

تأسست عصبة الأمم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 وعقب مؤتمر باريس للسلام عام 1919.. وقد وصل أقصى عدد للدول المنضمة إليها إلى 58 دولة قبل 23 فبراير 1935.. حيث زاد عدد الدول المنسحبة منها بعد هذا التاريخ .. فمن بين أعضائها الـ 42 المؤسسين .. لم يبق سوى 24 دولة عند حلها فى 19 ابريل عام 1946.. رغم توقفها عمليا مع قيام الحرب العالمية الثانية عام 1939 .. وكانت مصر آخر الدول انضمامًا إلى عصبة الأمم في 26 مايو 1937 .. بينما رفضت الولايات المتحدة الأمريكية التصديق على ميثاق العصبة أو الانضمام لها .. حيث رأت فى النظام التأسيسى للعصبة محاولة من الدول الأوروبية الاستعمارية الكبرى للاستئثار بغنائم الحرب العالمية الأولى .. وصوت مجلس الشيوخ الأمريكى فى 19 مارس 1920 ضد قرار التصديق على معاهدة فرساى .. وبذلك لم تشارك الولايات المتحدة فى العصبة.. رغم أنه كان من المفترض أن تكون خامس الدول الدائمة في مجلس العصبة.

فقدت العصبة مصداقيتها .. وأثبتت عجزها عن حل المشكلات الدولية وفرض هيبتها على جميع الدول دون استثناء .. وكان كثير من الدول الأعضاء لا تحترم قراراتها ولا تأخذها بعين الاعتبار .. فقرر الكبار استبدالها بنظام أكثر دقة وإحكاما .. فكانت الأمم المتحدة التى أعتبرها امتدادا لعصبة الأمم وهيمنة الدول الكبرى .. وفى رأيى أن منظمة الأمم المتحدة ولدت ميتة شأنها شأن جامعة الدول العربية .. فالأولى ماتت بتضمين ميثاقها مبدأ حق الاعتراض "الفيتو" الذى جعل المنظمة عاجزة عن اتخاذ أى إجراء لتحقيق العدالة الدولية .. وأبقى على هيمنة الدول العظمى وتجاوزاتها .. والثانية ماتت يوم كتابة ميثاقها بتضمينه مبدأ الإجماع فى التصويت .. مما أعجزها عن حل أبسط النزاعات العربية.

وزاد من ضعف الأمم المتحدة فى الوقت الحاضر غياب التوازن بين الدول الكبرى دائمة العضوية أو حتى غير دائمة العضوية .. وانفراد الولايات المتحدة بالقرار الأممى والهيمنة الفعلية كقطب أوحد يعيث فى الأرض فسادا من مشرقها إلى مغربها دون رادع أو مانع .. فما المانع أن تفعل الدول مثلما فعلت مع عصبة الأمم حتى يسقط هذا النظام العالمى الفاشل؟ .. ليس ضروريا أن تكون الدول الكبرى هى البادئة بالانسحاب .. فالدول الأكثر تضررا هى الدول الصغرى .. ويكفى أن نعرف أن أول دولة انسحبت من عصبة الأمم هى دولة كوستاريكا التى انضمت فى 16 ديسمبر 1920 وانسحبت فى 22 يناير 1925 بسبب استيائها من اختيار الأمين العام للعصبة ممثلى وموظفى دول أمريكا اللاتينية فى العصبة على أساس مساهمات تلك الدول فى ميزانية العصبة .. كما انسحبت البرازيل وإسبانيا احتجاجا على قرار مجلس العصبة بقبول ألمانيا فى العصبة عام 1926 .. وتوالت الانسحابات حتى ضعفت العصبة وانهارت .. وأتمنى أن تلحق بها منظمة الأمم المتحدة بنظامها الحالى .. ويقوم محلها نظام أكثر عدلا .. يرغب فى تحقيق الأمن والسلام الفعلى على وجه الأرض.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف