الحمد لله الذى أنعم على أمة الإسلام بشهر رمضان وأنزل فيه القرآن هدى وينات وعبرًا وعظات فشهر رمضان: موسم المتقين، ومتجر الصالحين، وميدان المتسابقين، ومغتسل التائبين، وهو معسكر إيمانى لتجنيد الطاقات، وتعبئة الإرادات، وتقوية العزائم، وشحذ الهمم، وإذكاء البواعث للسعى الدءوب لتحقيق الآمال الكبار.
وفى رمضان تتجدد الحياة كلها: تتجدد العقول بالعلم والمعرفة، والقلوب بالإيمان والتقوى، والمجتمع بالتواصل، والترابط، والعزائم باستبقا الخيرات.
والتنافس فى الصالحات، تحتفل السماء وبمقدمه السعيد: فتفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، ويصفد كل شيطان من أجل الله ـ تعالى ـ وحده ترك الإنسان لذاته وشهواته وصام عنها شهرًا كاملاً.
كما أن رمضان يمتاز على غيره من الشهور بخصائص عديدة
الأولى: إنزال القرآن الكريم: فمن المعروف أن إطلالة الخير وإشراقة البر.. كان الضياء والسناء فى رمضان..، كان إدبار الليل.. ليل الجهالة والإشراك والإلحاد، وإسفار صبح المعرفة والتوحيد والإسلام.. فى غار حراء.. فى رمضان مع الملك جبرائيل عليه السلام مع «اقرأ باسم ربك الذى خلق (1) خلق الإنسن من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذى علم بالقلم(4) علم الإنسن ما لم يعلم(5).
فبدء الإنزال للقرآن الكريم كان فى شهر رمضان.. وجلسات مدارسة القرآن الكريم من سيدنا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» وجبريل عليه السلام فى شهر رمضان.
يقول الله ـ تعالىـ: «شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينت من الهدى والفرقان»(2).
وأخرج البخارى فى صحيحه بسنده عن ابن عباس رضى الله عنه قال: «كان رسول الله «صلى الله عليه وسلم» أجود الناس، وكان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فرسول الله «صلى الله عليه وسلم» أجود بالخير من الريح المرسلة».
هذا القرآن الذى أمرنا الله ـ تعالى ـ بالاعتصام به: «واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا»(3)، وهو وعاء الشريعة والحقيقة « هو الذى بعث فى الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم ءايته ويزكيهم ويعلمهم الكتب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلل مبين(2)»(4)، وهو أصل الأصول، وحجة الله البالغة على عباده.
الثانية: بعثة رسول الله «صلى الله عليه وسلم» فى رمضان: فليلة القدر الأولى كانت المنحة الإلهية والعطية الربانية ببعثة ونبوة خير البشرية سيدنا محمد بن عبدالله «صلى الله عليه وسلم» ومن والاه وهو الرحمة المهداة والنعمة المسداة «وما أرسلنك إلا رحمة للعلمين»(1)، وعن جابر بن عبدالله رضى الله عنه أن النبى «صلى الله عليه وسلم» قال: «أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلى: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لى الأرض مسجدًا وطهورًا فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فيصل، وأحلت لى الغنائم ولم تحل لأحد قبلى، وأعطيت الشفاعة، وكان النبى يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة».