عقيدتى
ابراهيم نصر
كل أسبوع .. الصيام .. وإمكانية التغيير
شهر رمضان المعظم، فرصة جديدة لكل مسلم ومسلمة على وجه البسيطة للإقبال على الله والإقلاع عن رذائل العادات، والكف عن المحرمات، وليس ذلك مستحيلا .. بل هو ممكن جداً.

يقول الإمام ابن القيم- رحمه الله تعالى – فى كتابه”زاد المعاد فى هدي خير العباد”:كَأنَ الْمَقْصُودُ مِنْ الصّيَامِ حَبْسَ النّفْسِ عَنْ الشّهَوَاتِ وَفِطَامَهَا عَنْ الْمَأْلُوفَاتِ وَتَعْدِيلَ قُوّتِهَا الشّهْوَانِيّةِ لِتَسْتَعِدّ لِطَلَبِ مَا فِيهِ غَايَةُ سَعَادَتِهَا وَنَعِيمِهَا وَقَبُولِ مَا تَزْكُو بِهِ مِمّا فِيهِ حَيَاتُهَا الْأَبَدِيّةُ وَيَكْسِرُ الْجُوعُ وَالظّمَأُ مِنْ حِدّتِهَا وَثوْرَتِهَا وَيُذَكّرُهَا بِحَالِ الْأَكْبَادِ الْجَائِعَةِ مِنْ الْمَسَاكِينِ . وَتُضَيّقُ مَجَارِي الشّيْطَانِ مِنْ الْعَبْدِ بِتَضْيِيقِ مَجَارِي الطّعَامِ وَالشّرَابِ وَتَحْبِسُ قُوَى الْأَعْضَاءِ عَنْ اسْتِرْسَالِهَا لِحُكْمِ الطّبِيعَةِ فِيمَا يَضُرّهَا فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا وَيُسَكّنُ كُلّ عُضْوٍ مِنْهَا وَكُلّ قُوّةٍ عَنْ جِمَاحِهِ وَتُلْجَمُ بِلِجَامِهِ فَهُوَ لِجَامُ الْمُتّقِينَ وَجُنّةُ الْمُحَارِبِينَ وَرِيَاضَةُ الْأَبْرَارِ وَالْمُقَرّبِينَ، فَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْعَوْنِ عَلَى التّقْوَى

كَمَا قَالَ تَعَالَى: { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ } “سورة الْبَقَرَةُ الآية 185″

وَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:”الصّوْمُ جُنّةٌ”. وَأَمَرَ مَنْ اشْتَدّتْ عَلَيْهِ شَهْوَةُ النّكَاحِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ بِالصّيَامِ وَجَعَلَهُ وِجَاءَ هَذِهِ الشّهْوَةِ.

انتهى كلام ابن القيم، ونستفيد منه ضرورة أن نثق فى الله أولا، ثم فى أنفسنا بأننا نستطيع استغلال شهر الصيام فى أن نغير من أنفسنا، ومن سلوكياتنا وعاداتنا السيئة الضارة، وذلك بمجاهدة النفس، والمثابرة والصبر، والاستعانة بالله عز وجل.

وفى ذلك يقول الإمام أبو حامد الغزالى فى كتابه القيم الممتع “إحياء علوم الدين”:فإذا كانت النفس بالعادة تستلذ الباطل وتميل إليه وإلى المقابح فكيف لا تستلذ الحق لو ردت إليه مدة والتزمت المواظبة عليه ..

ومن أراد أن يصير الحذق فى الكتابة له صفة نفسية حتى يصير كاتبا بالطبع فلا طريق له إلا أن يحاكى الخط الحسن ويواظب عليه مدة طويلة فيتشبه بالكاتب تكلُّفا ثم لا يزال يواظب عليه حتى يصير صفة راسخة في نفسه فيصدر منه فى الآخر الخط الحسن طبعا كما كان يصدر منه فى الابتداء تكلفا..

وكذلك من أراد أن يصير سخيا عفيف النفس حليما متواضعا فيلزمه أن يتعاطى أفعال هؤلاء تكلفا حتى يصير ذلك طبعا له فلا علاج له إلا ذلك،فالأخلاق الحسنة تارة تكون بالطبع والفطرة، وتارة تكون باعتياد الأفعال الجميلة، وتارة بمشاهدة أرباب الفعال الجميلة ومصاحبتهم، وهم قرناء الخير وإخوان الصلاح، إذ الطبع يسرق من الطبع الشر والخير جميعا.

فمن تظاهرت في حقه الجهات الثلاثة حتى صار ذا فضيلة طبعا واعتيادا وتعلما فهو فى غاية الفضيلة. ومن كان رذلا بالطبع واتفق له قرناء السوء فتعلم منهم وتيسرت له أسباب الشر حتى اعتادها فهو فى غاية البعد من الله عز وجل.

انتهى كلام الإمام، وفى مسك الختام نذّكر بما جاء فى كتاب ربنا سبحانه وتعالى مؤيدا لما سبق، إذيقول الله تعالى فى كتابه العزيز:{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا* إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} “سورة الإنسان الآيتان 2-3″،ويقول: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} “سورة الشمس الآيات من 7-10”.

نسأل الله تعالى فى هذا الشهر الكريم العون على الحول من المعصية إلى الطاعة، فلا حول لنا عن معصية ولا قوة لنا على الطاعة، إلا بالله سبحانه وتعالى، وكل عام مصرنا الحبيبة، وأمتنا الإسلامية بكل خير.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف