صالح ابراهيم
خارج الصندوق .. جامعة عالمية ومفتوحة
للالتحاق بالجامعات ومعاهد التعليم العالي.. شروط وإجراءات لا يمكن تجاوزها.. قد تختلف في بعضها زيادة أو نقصاناً.. ولكن معظمها ينفق علي قواعد التأهيل بالحصول علي شهادة ما.. ومسابقة للالتحاق بامتحانات للقدرات.. أو ترتيب المجموع.. واختلاف في المواد المؤهلة بين القسمين الأدبي والعلمي ومستوي إجادة اللغات.. ثم الكشف عن قدرات الموهبة.. بالنسبة لتعليمات الفنون والتربية الرياضية وفي النهاية تنفق الشهادات علي إتاحة التأهيل لمجال توظيف معين.. أو تختلف في الاسم والقيمة يتطلب مواد إضافية لمعادلة الدرجة الجامعية.. الجامعات شرقا وغربا تلتزم بهذه المبادئ والاشتراطات ماعدا الجامعة التي نتحدث عنها اليوم.. ونعني بها جامعة رمضان المبارك.. المفتوحة لجميع الأعمار والأجناس.. الرجال والنساء.. حتي الصبية الصغار مع الاقتراب من سن التكليف أنها تقبل الجميع بدون سداد رسوم.. أو اختبارات مسبقة.. مجرد النية تكفي.. نويت الصيام خالصاً لوجه الله تعالي.. لأنه مع فرض الضيام علي كل مسلم ومسلمة.. فأتي بأخذ المناسك والنوافل والفعل الطيب الذي يتنافس فيه الجميع.. خلال الشهر المبارك.. ما لم يكن مريضا أو علي سفر فعدة عن أيام آخر.
** الصوم جامعة عالمية.. مناهجها ثابتة منذ فرض الصيام. ومتجددة مع الاجتهاد في مصاحبة أداء الفريضة.. بفعل الخير.. والجهاد ضد اغراءات النفس.. والتصدي لضياع الوقت.. والتهجد في الصلاة.. والتفكير الدائم في كنوز من الحكمة يوفرها الصوم للصائمين.. ثم الجزاء الشكور الذي يختص به الله سبحانه وتعالي.. القائل كل عمل ابن آدم له.. إلا الصوم فهو لي.. وإنما أجازي به.. جامعة مفتوحة السماوات.. يباهي الله سبحانه وتعالي الملائكة بعباده المؤمنين الصابرين الملتزمين بكتاب الله وسنة رسوله.. وتصوروا معنا جامعة تضم البشرية كلها.. تلاميذ وباحثين.. مهما كانت مراكزهم في الحياة.. المناهج كلها في كتب مفتوحة.. يسعون لدراستها.. ويتباهون بفهما.
** ومن الصعب الإلمام بالمناهج المعتمدة في الجامعة الرمضانية.. لضيق المساحة والقصور البشري.. ولكن يمكننا الإشارة إلي مناهج رئيسية.. تفيد الصائم في حياته.. بتقدمها عنصر الوقت وقيمته فالصيام وقت محدد من أذان الفجر حتي أذان المغرب.. يخضع فيه الصائم عن كل الملذات والطعام والشراب.. يؤدي الصلوات في موعدها.. لقرآن الفجر المشهود.. مكانته الدائمة في برنامجه يمكنه بالاستيقاظ بعد الفجر ليذهب إلي عمله.. نشيطاً.. مخلصاً لواجباته والتزاماته.. يدرك أن حسن أداء العمل جانب مهم من تقييم منظومة الصوم.. ويعزمه بالبعد عن الصغائر في تعامله مع الآخرين.. عف اللسان.. إذا ما تعرض للأذي.. رد قائلاً اللهم إني صائم.. شهر كامل يحقق بعده علامة النجاح.. قيمة الوقت والحفاظ علي الموعد.. وعدم تأجيل عمل اليوم للغد.
المنهج الثاني.. التواضع.. فالمؤمن يرتدي حلة الجهاد العظيم ضد منابع الشر.. والجبروت والتكبر والتعال ولا مناص أمامه من النفس المتواضعة.. الراغبة في الفهم والساعية إلي عفو الله.. تشغله المناسك والقيام والصلاة وذكر الله عن اغراءات نفسية أنه من تراب.. وعائد إلي التراب.. وتواضعه يرفعه في المكانة.. ويسعده برضاء الله.. وعندما يعتمد الناس التواضع سلوكاً.. تعم الفضيلة والاحسان والبر وكفالة اليتيم ومساعدة المحتاجين كل أنحاء الدنيا.. ويقدم الناس الحسنات بدون من أو أذي.. ويتبارون في سباق الخير.
** وهذا الأمر يؤدي إلي نشر التكافل الاجتماعي.. وإيصال الرحم.. وعودة الشهامة ومعاونة الآخرين والاطمئنان علي الجيران.. ويدعم ما عرفته الفريدة من استضافة العابرين علي الإفطار أمام منازلهم وما يحرص عليه أهل الخير.. من موائد الرحمن.. وتوزيع حقائب مستلزمات رمضان علي الأسر الفقيرة التي تحسبهم أغنياء من التصفف.. ويعود التاجر الأصيل إلي رشده بالنسبة لتحديد أسعار السلع التي يبيعها.. والحفاظ علي جودتها.. وعدم غشها.. وتختفي السوق السوداء بفعل النجاح في منهج الصدق والمسئولية الذي تقدم الجامعة الرمضانية من نماذجه الكثير والكثير.
** وتدعو مناهج الجامعة الرمضانية. طلابها ومريديها إلي عدم التمييز بين البشر مهما كانت عقيدتهم أو أجناسهم أو ألوانهم.. تحرص علي توفير السلام والأمان لهم.. وأن تسود العدالة الاجتماعية بين الجميع.. فالكل يقف صفوف متراصة أثناء الصلوات الخمس.. والتراويح والتهجد.. ويشاركون في نفس الدعاء.. ثم يصافحون بعضهم بأمان.. ويسيرون معاً إلي منازلهم خروجاً من المسجد.. في جماعات ترفع أجنحة السلام. ويمتد هذا البنيان الصلب إلي يوم التخرج من الجامعة الرمضانية نهاية الشهر الكريم.. وصلاة العيد.. وتلك التهاني المتبادلة من القلب.. نسأل الله سبحانه وتعالي أن يكتبنا من الناجحين.. الصادقين.