اجتهد مجلس الشعب وأصدر قانون ازدراء الأديان وهو ما آثار، ولا يزال، جدلا شديدا حيث تختلف وجهات النظر بصدد ما قد يدخل فى نطاق ازدراء الأديان، فالبعض مثلا يجاهر علنا، وفى وسائل الإعلام المصرية بتكفير المصريين المسيحيين، وهو بمأمن من أى مساءلة، مستندا إلى أن الدين عند الله الاسلام.. وذلك فى معنى الإسلام الواسع، منذ سيدنا إبراهيم عليه السلام وحتى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن هؤلاء وهم لا يبرزون من الإسلام، حسب رؤيتهم، سوى ما يثير الفتنة والفرقة بين ابناء الوطن الواحد، وهو أهم أهداف أعداء مصر، والحمد لله أن الأصوات العاقلة من رجال الدين الصادقين، تؤكد احترام عقائد الآخرين وذلك من منطلق كتاب الله الكريم، الذى يوجب احترام جميع الأديان، كما هو منصوص فى الآيات الكريمة، لكم دينكم ولى دين ولا إكراه فى الدين. والأكثر روعة وإعلاء لحرية الإنسان يقول عز وجل «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».. هل هناك تقديس لحرية الاعتقاد أكبر مما اكده العلى القدير.؟ لا أظن..
وفى العقود الأخيرة حدثت غزوة لجميع شاشات التليفزيون برجال دين، يختلف مظهرهم عن مظهر شيوخ الأزهر الشريف الذى ألفناه، وانصب اهتمام هؤلاء بالشكل، أى المظهر،المسلم وليس بالجوهر.. فنحن نشاهد التلويح بالويل والثبور وعظائم الأمور ليس لمن يسرق أو يقتل أو يغش أو يرتشى او يهمل فى عمله بل لمن لا ترتدى أو يرتدى الثياب الذى يحدده الدعاة الجدد.. ومن تسطيح الدعوة الدينية إلى ازدراء الانسان المصرى، فبعد ان كان وطننا نموذجا يحتذى فى النظام والنظافة والإنتاج، زحفت علينا للأسف، قيم غريبة تدعو الى التواكل بدعوى ان الله عز وجل هو الرزاق، ولا جدال فى ان الله يرزق جميع الكائنات، غير ان هؤلاء الدعاة الجدد يلتزمون الصمت حيال الأمر الإلهى باحترام قيمة العمل، والذى يدعو اليه الخالق عز وجل فى الآية الكريمة، «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون»، وحتى يكتمل مخطط التواكل والتخلى رويدا رويدا عن العمل والانتاج، بدأت التنظيمات المكلفة بتغيير القيم المصرية الأصيلة، بالترويج للتبرع، لمصلحة الفقراء والجوعى والمرضى وكل ما يفترض ان تقوم به الدولة،اكفل قرية فقيرة، وكأن القرية إياها خارج نطاق القرى المصرية، ومن ثم فقد تدنت صورة المصري، فانزوت صورة، «يابحر الثورة يا هادر، خللى هديرك بنظام، عن صوت المكن الداير عين العدو، مش حاتنام، وانت يا شبابنا اتقدم، جه دورك فى التاريخ، بايديك لازم تتقدم مصر فى عصر الصواريخ».. وقد كتبت مرة مقالا حاولت فيه التعبير عن ألمى إزاء غياب الدولة وتصدر الجمعيات «الخيرية» للمشهد بالترويج للتبرعات، التى لا تعرف عنها الدولة شيئا، بعنوان «اكفل دولة فقيرة».
ولا شك أن الهجرة الكبيرة التى جرت خاصة الى دول الخليج، كانت عقب حقبة الانفتاح والتى صاحبها إغلاق. بعض المصانع والارتفاع الحاد فى الأسعار.. وقد تأثرت حياة المواطنين، لا سيما البسطاء منهم، وهو ما شجع البعض على محاولة التلاعب بنفوسهم، بدعوى الدين الإسلامى وهو تلاعب بلغ حد الازدراء للإنسان كما حدث فى فضيحة الداعية عمرو خالد وخدعته بصدد نوعية معينة من الدجاج، معتبرا ان من يأكله، تقريبا، سيدخل الجنة! والغريب أن يدافع البعض عن عمرو خالد باعتبار ان اعتذاره كاف وعفا الله عما سلف، وهو نفس المنطق الذى كان من المستحيل ان يجرؤ أحد على الجهر به، أى عدم احترام وحدة اراضى الوطن والدفاع عنه حتى التضحية بالحياة إذا لزم الأمر.. حيث توارى الايمان بقدسية الارض التى نعيش عليها والانحدار بقيمتها إلى حد اعتبارها حفنة من التراب أو تقزيم أم الدنيا لتكون دويلة فى دولة الخلافة حتى لو كانت ماليزيا.!
أتمنى أن تتنبه الدولة لخطورة هذا الأمر وان تقوم بحملات توعية واسعة والأهم أن تعود إلى موقعها كأول مسئول عن المواطن، الفقير والمريض والأمى والشديد الثراء على حد سواء