نعيش في رحاب رجل من بني غفار وهو من فضلاء أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم انه أبو ذر الغفاري وقد اختلف في اسمه كثيرا ولكن اصح ما قيل فيه: انه جندب بن جنادة بن قيس بن غفار وأمه رملة بنت الوقيعة من بني غفار. وقيل انه اعتنق الاسلام بعد أربعة وكان خامسا ثم انصرف الي بلاده وأقام بها. ويقول ابن عباس: ان أبا ذر لما بلغه مبعث رسول الله صلي الله عليه وسلم قال لأخيه: اركب الي هذا الوادي واعلم هذا الرجل الذي يزعم انه نبي يأتيه الخبر من السماء واسمع من قوله ثم ائتني. فانطلق هذا الأخ حتي قدم وسمع من قوله. ثم رجع الي أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق. وكلامه ما هو بالشعر. فقال: ما شفيتني مما أردت فتزود ابوذر الغفاري بالزاد والماء حتي وصل مكة فأتي المسجد فالتمس النبي صلي الله عليه وسلم وهو لا يعرفه وكره أن يسأل عنه أحدا حتي أدركه بعض الليل. فقام الي ركن بالمسجد فاضطجع به. وهنا شاهده علي بن ابي طالب. فعرف انه غريب. وعندما رآه أبو ذر خرج من المسجد وتبع عليا وظل مرافقا له في مسيرته حتي وصل الاثنان الي المنزل فبات أبو ذر ولم يسأل أي واحد منهما صاحبه عن شيء حتي جاء الصبح فأخذ أبو ذر احتياجاته وعاد الي المسجد وظل كذلك في اليوم التالي لم يره النبي حتي جاء المساء فعاد الي مكان مضجعه فمر به علي. فقال ما آن للرجل ان يعلم منزله فاصطحبه الي منزله ولم يسأل أي واحد منهما صاحبه عن شيء حتي اذا كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك فذهب به علي للاقامة معه لاستضافته.
وخلال جلوس أبو ذر في منزل علي بن أبي طالب سأله علي: الا تتحدث معي حول ما الذي جاء بك الي مكة؟ فقال أبو ذر: ان أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت. فما كان من الامام علي ان أجابه الي ما طلب. ثم أخبره بأن الحق ما جاء به رسول الله صلي الله عليه وسلم وانه رسول الله صلي الله عليه وسلم. ثم قال له: اذا جاء الصبح اتبعني. ثم أخذ يطمئنه فقال له: سوف نمضي معا فاذا رأيت شيئا أخاف عليك منه قمت كأني أريق الماء. فان أمضيت فاتبعني حتي مدخلي ففعل ثم انطلق يتابع عليا في مسيرته حتي دخل علي النبي صلي الله عليه وسلم ثم دخل معه. وهنا سمع من أقوال الرسول فأعجب بما سمعه من النبي صلي الله عليه وسلم فأسلم فورا قبل ان يبرح مكانه. وهنا عرفه الرسول صلي الله عليه وسلم فقال له رسول الله: ارجع الي قومك فأخبرهم حتي يأتيك أمري. وهنا قال أبو ذر: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم يقصد أهل مكة مؤكدا انه لا يخشي بطش المشركين ولا يهاب ايذاءهم ثم خرج ابوذر من المسجد وتحدي الجميع فنادي بأعلي صوته قائلا: أشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله. وبمجرد ان سمع المشركون هذا القول من أبي ذر توجهوا الي مكانه وانهالوا عليه ضربا وظلوا يضربونه بينما هو لم يتوقف عن الاعلان بالشهادة لله ولرسوله وفي هذه اللحظات أسرع العباس بن عبدالمطلب فأنقذه من بين أيديهم. ثم وجه حديثه للمشركين قائلا: ويلكم ألستم تعلمون انه من غفار وهي في طريق تجارتكم للشام. وهنا تركوه. لكن ابا ذر في اليوم التالي كرر نفس الشهادة فقاموا بضربه مرة ثانية وثاروا عليه. فقام العباس بتخليصه من أيديهم مرة ثانية. هكذا كان أبوذر قوي الايمان فقد استعذب الايذاء لأنه نور الايمان قد امتلك كل وجدانه وغدا باذن الله نستكمل اللقاء مع هذا الصحابي الجليل.