الوفد
محمود زاهر
مراجعات .. التسول.. منهاج حياة!
أيام قليلة تفصلنا عن توديع «شهر الله»، الذي كشف لنا بوضوح مدى تقصيرنا في حق ديننا ومجتمعنا وأنفسنا، من خلال كثير من الملاحظات والسلبيات، التي تتكرر، بل وتتزايد بشكل واضح كل عام.

«رمضان» رصد لنا شواهد حقيقية عن تزايد الفجوة بين الثراء الفاحش والفقر المدقع.. ما بين انعدام العدالة الاجتماعية، واختفاء الطبقة الوسطى في المجتمع، أو ازدياد أعداد الملتحقين بالطبقة الدنيا، من المطحونين والمظلومين والمهمشين.

بكل أسف، يجب الإقرار أن هذا الشهر تجسَّدت معالمه في رأسمالية ظالمة، تُكرِّس وجود أقلية مستغلة تملك كل شيء، وغالبية محرومة لا تملك شيئًا، ما يجعل الاعتراف أو الحديث عن عدالة اجتماعية ترفًا لا وجود له إلا في مخيلة المغيبين أو المطبلين!

نتصور أن أسمى أهداف الشهر الفضيل، تكمن في تجسيد المساواة والتكافل والتراحم، لكنها تظل شعارات جوفاء تتبخر في الهواء، أمام ما نتابعه على الشاشات من مسلسلات وبرامج وإعلانات تُصيب الإنسان بالصدمة.

ربما كان الشهر الفضيل كاشفًا لي ولغيري عن مدى التفاوت بين الطبقات، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء ـ بشكل لم يحدث من قبل ـ بحيث لا أستطيع إخفاء أنني واحد من هؤلاء الذين يستفزهم ذلك التناقض الغبي!

لعل ما يثير «البؤس» خلال شهر رمضان، هو تفشي ظاهرة التسول بشكل غير مسبوق، حتى أصبحت عند الكثيرين «منهاج حياة»، وباتت الأيادي الممدودة «عادة»، أو «مهنة»، لا يخجل كثيرون ـ انضموا إليها في السنوات الأخيرة ـ من احترافها!

أصبح من الصعوبة أن تجد مكانًا خاليًا من المتسولين المنتشرين حولك في الشوارع ومحطات المترو وعند إشارات المرور، وفي مناطق تكدس وازدحام السيارات، إضافة إلى الأسواق والمستشفيات والمقاهي، ومكاتب البريد والبنوك، وعند أبواب المساجد.. وحتى المقابر!

أينما تولِّي وجهك يحاصرك المتنطعون المتسولون بإلحاح فج، لتعطيهم وتُحسن إليهم، حتى أنك قد تجدهم يحتقرونك بنظرات مستهزئة إذا لم تمنحهم صدقة معتبرة، خصوصًا مع موجة الغلاء التي لا تنتهي!

للأسف، بعدما كانت تلك الظاهرة محدودة ومقصورة على النساء والأطفال فقط، أصبح يمتهنها الرجال وفحول الشباب، الذين يمارسون هذا «النشاط»، على مدار العام، وخصوصًا في شهر الصيام.

في شهر رمضان تجد أبواب المساجد «العامرة»، ومداخل الأسواق والمحال التجارية والمستشفيات «محجوزة» من المتسولين، بحصار محكم، قد يُجبر الإنسان على التصدق، بعد وابل الأدعية وعبارات الاستعطاف والترجي، رغم اقتناعنا بأن أحد الأسباب الرئيسية لانتشار تلك الظاهرة، هو أن المتسول لم يعد لديه مانع من التضحية بكرامته وعرضه وشرفه!

من خلال استفحال هذه الظاهرة «البغيضة» يصعب التمييز بين المتسول المحتاج أو المحتال.. وبعد أن كان في السابق يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، انقلبت الحال ـ بتلك الحيل والألاعيب المفضوحة ـ ليحسبهم الجاهل فقراء من التسول!

أخيرًا.. إذا كان مدّ الأيدي مصدر دخل دائم للأفراد على مدار العام، وخصوصًا في رمضان، فإن بعض الدول التي تعاني من انهيار اقتصادي، تتخذ التسول كمنهاج حياة، حيث تقوم باستدرار عطف وإحسان البلدان «الشقيقة والصديقة»، بما يمكن أن نشبهها بالشخص الذي يتسبب في عاهة مستدامة لأبنائه من أجل تسهيل الطريق نحو «الشحاتة»!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف