الأهرام
وفاء محمود
لماذا هذا الرعب كله من الإسلام؟!
أتعجب من شخصيات بلغت من تحصيل العلم الطبيعى مبلغا عظيما، إلا أن هذا لم يدخلها فى مدار إعمال الفكر، وتحسين طريقة الحوار والتفاهم، مع التشبث بمقولات تصميمية، تستند لانحيازات أيديولوجية، تتنافى مع المنهج العلمى القائم عليه درجاتهم العلمية المرموقة، أو الفكر العلمى الذى يرحب بالنقد ويطلبه، لإنتاج نظريات علمية أكثر حداثة، وأقرب للحقيقة، ما أثار استغرابى تعليق أساتذة بكلية الصيدلة على التجديد الديني، والفكر الإصلاحى التنويري، بأن ذلك يغيظها! فهما برأيها محاولات لتبديل الدين، وتطالب من لا يعجبه هذا الدين، فليبحث له عن دين آخر، ولا يزعجنا بمماحكاته!! إنه الإقصاء الذى يجرى فى دمائهم من العمى الأيديولوجي!.

نحن فى أمس الحاجة إلى المجددين، لفهم الدين والعصر الذى نعيشه معا، وإغلاق الفهم والحس والضمير عن ذلك فيه خطر عظيم على الدين، فيجعل الإرهاب وصمة للدين تبرر الهجوم عليه، ومحاربة الإسلام والمسلمين فى كل مكان، فمن الأولى بالتعبير عن الإسلام: المجددون أمثال الشيخ عبد الله دراز وعبد المتعال الصعيدى وشلتوت وأبو زهرة... أم العائلة الانتحارية التى فجرت نفسها فى كنائس أندونيسيا مؤخرا؟! فدينامية الأيديولوجيا الشريرة تضحى بالأطفال فى قضايا لا يدركون عنها شيئا!، فمن فقد إنسانيته لم يبق لديه شيء للحوار!.

الفكرة الخاطئة البسيطة عندما يبنى عليها منهج للحياة العملية تؤدى لمقاربات استئثارية إقصائية بالضرورة، تتناقض فى التعايش السلمي، وتؤدى مباشرة لآليات عنيفة لحسم الخلافات الفكرية، حتى بنفس الدين، وبالتالى مع الأديان الأخري، وفائدة الفكر والاجتهاد الجاد المنهجي، هو تنقية الفكر من الأفكار التى تبدو بديهية أو بسيطة، إلا أن تفعيلها عمليا يكشف شرها وزيفها، وتناقضها مع القيم الإنسانية، فالتجديد محكوم بالإسلام نفسه وبالقرآن وليس باجتهادات الفقهاء من مئات السنين، التى أنتجت دينا للفقهاء الراحلين، يحكمه أدبيات الفعل العنفي، فعلى المجتهدين يقع إنقاذ هذا الدين، من براثن الجمود الماضوي، ومنطق تغييب العقل كفضيلة دينية، الذى أوصلنا إلى اللامنطق، رأسمال داعش وأخواتها من التنظيمات التكفيرية التى اختطفت الدين!.

وقد تحدث المجدد الكبير (مالك بن نبي) عن خطورة الأفكار الميتة والأخرى القاتلة، فالميتة التى فقدت فعاليتها فى وسط متعطل، بينما القاتلة هى التى كانت فاعلة وحية فى وسطها وزمنها الأصلي، ولكن عند نقلها إلى وسط مغاير تتحول إلى قاتلة، ونحن نعيش فى محنة الأفكار الميتة والقاتلة معا، التى تحولت إلى أصنام يعبدها البعض من دون الله، فالكبر يولد الكفر، ومن المفارقة أن عموم الناس أكثر تلقائية وإدراكا لجواهر الحياة، من بعض المتقعرين فى الطب والهندسة، الذين يجدون فى المغالاة والتشدد ما يرضى غرورهم، بأنهم أكثر تفوقا من غيرهم فى مرضاة الله، ويدفع الثمن الأبرياء من الأطفال المتورطين فى العمليات الإرهابية، والضحايا من كل جنس، من جراء التطور الطبيعى للفكرة الخاطئة، عندما تتحول إلى فعل إرهابي، وكذلك سمعة الدين نفسه، الذى نعتقد براءته من كل هذه الذنوب.. وجرم جره سفهاء قوم.. وحل بغير جارمة العذاب!.

مكمن الخطورة ليس فى وجود هذه الأفكار الخاطئة، بل فى استغلال هذه الأفكار، بإبرازها، وتمويل جماعات تمثلها، لاستئصال أى شعور بالذنب فى محاربة الإسلام، كأيديولوجية عصية على التغيير، فينزع منها المكون الأخلاقى كذريعة لضربها، بالقوة المحسومة لصالح قوى الهيمنة على العالم، خاصة أن تاريخ الصراع الإسلامى الغربى ممتد منذ مئات السنين، منذ الفتوحات الإسلامية إلى حروب الثغور الإسبانية، وكذلك الحروب الصليبية، إضافة إلى ما اتسمت به التوسعات العثمانية من وحشية، وتعامل غير إسلامى مع البلاد التى تم غزوها!.

كان السؤال الذى طرحه المفكر السورى الداعى للاعنف (جودت سعيد) أوغاندى العرب، لماذا كل هذا الرعب من الإسلام؟ فى كتاب بنفس الاسم، فى غير محله، لأنه يعلم هذا التاريخ من الصراع، الذى كان فى ظاهره دينيا، وفى أساسه صراعا اقتصاديا على النفوذ والتوسع، وتحكمه فلسفة العصر فى ذلك الوقت، التى تعطى القوى الحق فى الغزو والاحتلال، بينما مع تغير الزمن لا يستطيع القوى أن يفعل ذلك، دون ذرائع تبرر له استلاب الشعوب خيراتها، وهو ما يجرى حاليا بالهجمة الشرسة على الإسلام، والتى لخصها أحد المفكرين الفرنسيين فى الخمسينيات بقوله لم الخوف من الشيوعية؟! ، فهى لا تعد خطرا سياسيا أو عسكريا، لكن الخطر الحقيقى فى الإسلام، لأنه خطر حضارى تتعرض له مقومات وجودنا الفكرى والإنسانى للفناء، فالمسلمون يملكون أيديولوجية صعبة المراس قادرة على الإحياء والنهوض والصمود.

ربما يكون ذلك هو الخوف الحقيقى من الإسلام، خاصة عندما يجدون علماء ومهندسين وأطباء أشد غلوا من العوام، ويمثلون الفراغ المعرفى للأيديولوجيا! لذلك فأول خطوات المقاومة هى حرمان أمريكا من العدو الحاسد لرفاهياتها، وخلق آليات صناعة التوافق الداخلى الحاسمة، والتطور التاريخى فى اتجاه العقل العلمى لا الخرافي، والمدنى لا القبلي، والاجتهاد الفكرى لا الانتقائي، ووضع حد لحالات التيه والارتباك فى الإصلاح السياسى والاقتصادى والثقافي، لصياغة المجتمع وتنظيمه وفق التحولات الكبرى الجارية فى العالم، وهو ما أصبح يدركه عموم المسلمين، من خطورة الاستسلام للصورة النمطية المرعبة عن الإسلام، وأخطر ما فيها وجود هؤلاء الأيديولوجيين المتكبرين بجهلهم، فلا نتوقع منهم استجابة، فلا يمكن أن نتوقع من البدوى أن يميز أى صنف من الصابون عن الآخر!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف