المصريون
جمال سلطان
لماذا يكرهون محمد أبو تريكة ؟!
شخصيا لا أشجع النادي الأهلي ، ومنذ زمن بعيد لم أعد مهتما بالكرة إلا لماما ، وغالبا لا أتابع إلا مباريات الفرق الأوربية الكبرى على فترات ، فلست من المتعصبين لكرة القدم ولا المغرمين بالأهلي أو الزمالك ، ولأسباب نفسية بحتة كنت أنحاز دائما لفرق الأقاليم والفرق المهمشة ، وفي مقدمتها فرق القناة الثلاثة ، الإسماعيلي والمصري والسويس أيام كان في الدوري ، بحكم نشأتي ، والاتحاد السكندري والترسانة والمنصورة ودمياط أيام كان لهم صولات وجولات ، كل تلك الفرق كنت أنحاز لها تلقائيا إذا واجهت القطبين الكبيرين : الأهلي أو الزمالك ، ربما هذا من تكويني الفطري المنحاز دائما إلى المهمشين والمستضعفين ، في السياسة أو المجتمع أو الرياضة سواء .
أقول هذا لإبعاد أي ظن من تعصب كروي عندما أتحدث عن اللاعب الشهير محمد أبو تريكة ، وقد كنت مبهورا به عندما كان يلعب في الترسانة قديما ، ولما انتقل إلى الأهلي هبط الترسانة إلى الدرجة الثانية ، فالفريق كله تقريبا كان يقوم عليه ، لأنه لاعب استثنائي ، فهو ليس مهاجما يترجم الفرص أو يقتنصها ، وإنما عمود فقري في أي فريق يلعب فيه ، وأبو تريكة أحد المواهب التي يندر وجودها في الملاعب المصرية ، في طريقة لعبه ومهارته ، فضلا عن أخلاقه الرفيعة التي أسرت قلوب الملايين من محبي كرة القدم ، بمن فيهم مشجعوا الأندية الأخرى غير الأهلي ، وهذا ما لاحظته بوضوح في أي مجلس يأتي ذكره فيه ، كما في الإجماع المدهش الذي تجده على صفحات التواصل الاجتماعي والإعلام العربي على حب هذا اللاعب واحترامه .
محمد أبو تريكة ليس مجرد موهبة مرت بالملاعب المصرية ، بل هو كنز إنجازات وانتصارات لفريقه وناديه الكبير ، النادي الأهلي ، كما أنه كنز إنجازات لمصر ومنتخبها الوطني ، ولا أذكر أن لاعبا حقق لمصر مثل هذه الإنجازات التي حققها أبو تريكه ، وبأي معيار فإن هذا اللاعب بطل قومي ، بما حققه من إنجازات ، وبما ارتبط به اسمه من بطولات كبرى سادت بها مصر على قارة أفريقيا عدة دورات ولسنوات طويلة ، ومثل أبو تريكة ـ في الدول الأخرى ـ تتعامل معه دولته ووطنه بشكل استثنائي ، كأيقونة رائعة يحمونها ويفخرون بها وبتاريخها ويوظفون وهجها في إلهام الناشئين والأجيال الجديدة لتعمل على منواله وتحقق ما حققه أو حتى تفوق ما حققه إن أمكنها .
أبو تريكة الذي اشتهر بأخلاقه الرفيعة ، وتدينه الوسطي المعتدل ، خطف قلوب ملايين العرب والمسلمين حول العالم وفي العواصم العربية المختلفة ، عندما أعلن تعاطفه الكامل مع أهلنا في فلسطين أيام العدوان "ألإسرائيلي" على غزة ، ووظف المباريات الكبرى التي يتابعها عشرات الملايين عبر الشاشات لكي يبرز تحت قميصه شعارات كتبها مؤيدة لغزة الصامدة ولفلسطين ، رغم ما يمكن أن يتعرض له من عقوبات رياضية قاسية ، لم يعبأ بها وبحساباتها ، فأصبح رمزا رياضيا عربيا آسرا لقلوب الملايين ، وليس فقط رمزا مصريا .
لاعب موهوب ومرموق وبطل قومي مصري مثل هذا ، لماذا تعاديه الدولة ومؤسساتها ، ولماذا تسلط عليه بعض الأجهزة أدواتها الإعلامية لسبه وشتيمته وهجائه ومحاولة تشويه صورته ، ورغم أنهم يفشلون كل مرة إلا أنهم يصرون على العودة ، وفي كل مرة ينحاز الملايين لأبو تريكة ضد الحملات الرسمية الممنهجة ضده ، لماذا كل هذا العناد ، أي عقل سياسي حكيم يسمح بذلك ، على الرغم من أنه منذ خرج من مصر حريص كل الحرص على أن لا يسيء إلى أحد ولا أن يتخندق سياسيا في ظل موجات صراع سياسي عنيف وحاد تعصف بالبلاد ، ركز جهده في الرياضة والتعليق على مباريات الكرة ، ولكنهم ـ رغم ذلك ـ لم يتركوه في حاله ، ولا تتحرك له سيرة إلا وتنشط أصوات مستأجرة للهجوم عليه وسبه ، فيستعدون عليهم ملايين المصريين والعرب ، الذين يصدقون أبو تريكة ، الإنسان والأخلاق والموهبة والإنجازات والتاريخ ، ولا يصدقون هرتلات الإعلام المستأجر والرخيص .
متى يدرك أصحاب القرار أن المعركة مع أبو تريكة خاسرة ، وتمثل نزيفا لسمعة النظام كله ، في مصر والخارج ، بلا أي معنى ولا داعي ، هذا فضلا عن أن ما يحدث مع أبو تريكة يعطي رسالة سلبية للغاية لزملائه الذين ما زالوا في الملاعب ، وبعضهم نجوم عالميون الآن ، بأنهم في وطن لا يحفظ لهم جميلا ، ولا يقدر إنجازاتهم ونجاحاتهم مهما بلغت ومهما بذلوا من جهد ، ولا يأمنون تقلبات أحواله ، هذا شعور محبط للغاية ، وتأثيره النفسي بالغ السوء .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف