الأهرام
هانى عسل
«كتف» صلاح يفضح النشطاء!
على مدى شهر كامل، تم اعتقال أكثر من خمسة نشطاء ومدونين، ولم يبك عليهم أحد!

وفى ليلة واحدة، تحول المائة مليون مصرى بإرادتهم، ودون وصاية من أحد، إلى نشطاء ومدونين وقادة حملات ضغط، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دفاعا عن شاب سقط على كتفه فى مباراة كرة قدم!

مصر بكاملها ساندت صلاح، بداية من الرئيس، ومرورا بوزير الرياضة، ونهاية بزملاء صلاح فى المنتخب، وحتى أعظم لاعبى العالم تعاطفوا معه، وأجمعوا على أن «الفتوة الإسباني» راموس تعمد إيذاءه، وكان يستحق على الأقل الحصول على إنذار على هذه الجريمة التى وقعت على بعد سنتيمترات من الحكم!

مصريون عاديون جدا، أغنياء وفقراء، نخب وعامة، وسياسيون وفنانون، بعضهم لا علاقة لهم بكرة القدم، أقاموا وصلات دعاء جماعية على مواقع السوشيال ميديا من أجل سلامة صلاح، وتابعوا نتائج الأشعتين فى كييف وليفربول على أحر من الجمر، وكأنهم يتابعون الحالة الصحية لأحد أفراد العائلة!

حوالى نصف مليون مصرى وقعوا على عريضة على الإنترنت لمطالبة الاتحاد الأوروبى لكرة القدم بمعاقبة راموس بالإيقاف أو الغرامة على الأقل على فعلته الشنيعة!

شبان مصريون اقتحموا حسابات راموس نفسه على فيسبوك وتويتر وانهالوا عليه بالتعليقات اللاذعة والهجوم الضاري، ونشروا الفيديوهات التى توضح أن «اللعب القذر» فلسفة حياة لهذا اللاعب الذى رسم وشم نجمة داوود على ذراعه بالحجم الكبير منذ سنوات!

سيدات وفتيات وربات بيوت لا علاقة لهن بكرة القدم أبين إلا أن يضفن «التاتش» النسائى الخاص بهن، فبعضهن تمنى إصابة راموس فى حادث «أوتوبيس سياحى فاخر» على غرار نكتة عادل إمام الشهيرة، والبعض الآخر تمنى إصابته بالرباط الصليبى ليذوق وبال أمره، وبعض السيدات نشرن رقم تليفون راموس واسم والدته لمن يريد القيام بـ«عمل له» ولو كان ذلك من باب المزاح!

وبلغت درجة التضامن إلى حد أن بدأ كثيرون يبتهلون إلى الله من أجل سلامة صلاح «فقط»، حتى وإن كانت إصابته ستمنعه من المشاركة تماما فى المونديال!

طبعا، لم يخرج عن السرب سوى بعض «المعقدين» العرب من المحسوبين علينا كأشقاء، وانضم إليهم بعض شبابنا من المرضى النفسيين الذين عاشوا «الدور» وتوهموا أنهم أسبان بالفطرة، وقالوا إن ما يحدث «أفورة»، لأن ريال مدريد عندهم أهم من منتخب مصر، وإسبانيا بالنسبة لهم هى الوطن والأب والأم والحلم، علما بأنه لو توجه أحدهم إلى سفارة إسبانيا للحصول على تأشيرة لتم رفض أوراقه، ثم إخراجه من الباب الخلفى لعدم صلاحيته!

كل هذا حدث فى ليلة واحدة، دون تكليف، ودون افتعال، وبكل قوة وشراسة، وكأننا ندافع عن آخر مواطن مصري!

حدث هذا فى وقت كانت فيه منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش وصحف ووكالات أنباء أجنبية أقل ما يقال عنها إنها تعيش فى عالم آخر، تنتحب وتصور للرأى العام العالمى أن مصر «مشتعلة» و«مقلوبة» بسبب اعتقال الناشط الفلانى أو المعارض العلاني.

تسبب «كتف» صلاح فى ثورة حقيقية، سواء على السوشيال ميديا، أو فى بيوت وقلوب وعقول المصريين، وهو سلوك جمعى تقائى يستحق الدراسة ولم يحدث لا عند اعتقال هذا أو ذاك، ولا بسبب شائعات من هنا وهناك عن اختفاء قسرى وتهجير وتعذيب وقمع.

ما حققه «كتف» صلاح فى ساعات، فشل فى تحقيقه على مدى سبع سنوات نشطاء «مسنودون» وممولون من دول ومنظمات وصحف صدرتهم للعالم على أنهم زعماء، ووصفتهم بأوصاف «واسعة قوي» عليهم، فهذا «زعيم المعارضة»، وهذا «أيقونة الثورة»، وهذا «أشهر مدون»!

توهمت هذه الدول والمنظمات أن لهؤلاء شعبية فى الشارع، وأن القبض عليهم كفيل بتحريك الجماهير، وتكرار مصيبة يناير، ولكن كل هذا لم يحدث، لأن المصريين كانوا مشغولين بمن هو أكثر منهم وطنية وإخلاصا، وقيمة أيضا، علما بأننا لا نشمت فى أحد، ولا نتمنى الإدانة لأى بريء، ولكننا نتحدث بما نراه فقط!

ومن دواعى السخرية والشفقة أن تجد وكالة بحجم أسوشيتدبرس الأمريكية تبث تقريرا تقول فيه إن إصابة صلاح «وحدت المصريين»، وكأن المصريين «فى وضع اقتتال أهلي»!

ولكن النكتة الحقيقية جاءت من البي.بي.سى العربية و»الجزيرة» القطرية، اللتين «انفردتا» بخبر حصرى يؤكد غياب صلاح عن المونديال، فور خروجه من الملعب، وقبل إجراء الفحص الطبى والأشعة على الكتف المصاب!

.. فهل توجد «خيبة» أكبر من ذلك؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف