يحاول أولياء الشيطان الكارهين للدين وللإيمان الحق والمبدلين لكلمات الله من ذرية وأولياء الشيطان أن يسيطروا على العقول وأن يدمروا القلوب، ولم يكن بالأمر الغريب أن تتكرر وبلغات أجنبية فى العديد من العواصم الغربية منها قبل الشرقية خلال العقدين الأخيرين عبارات "الحرب من أجل نيل القلوب" و"حرب العقول والقلوب" و"حرب القلوب".
فمنذ القدم، أشار العرب إلى لفظ "القلب" بوصفه الفؤاد، وأنه قد يعبر به عن العقل، وهو أمر يختلف عن الوصف الحالى للقلب على أنه ذلك العضو العضلى الحيوى الذى يضخ الدماء فى جسد الإنسان.
وإنها بالفعل حرب للاستيلاء على قلوب وعقول شعوبنا، وصغارنا وشبابنا قبل كبارنا، بواسطة الكثير من الوسائل الجهنمية المستحدثة التى تتجاوز البارود والنار والسلاح التقليدى والمدرعات والحوائط والدفاعات الخرسانية إلى العقل والقلب المستهدف بغية إفساده وتحويل اتجاهه لما يخدم مصالح العدو من أهل الشر وأولياء الشيطان.
وفى نهاية المطاف، لا يكون جسد الإنسان المستهدف سوى أداة لتنفيذ ما تم زرعه من نوايا وأفكار وتوجهات خاطئة مدمرة تدفعه إلى السير فى طريق التدمير والتخريب للمحيطين به وللمجتمع ولبلاده ومن قبلهم جميعا.. يكون مدمرا لنفسه.
ونتيجة للتلاعب بالعقول والقلوب لم يكن من الغريب أن يظهر فى مجتمعات عالمنا العربى والإسلامى من يتبنى سلوكًا جديدًا عليه وغريبًا مثل: الانتحاريون، وذلك على الرغم من تحريم الانتحار فى جميع الديانات السماوية التى كانت أراضى وطننا العربى مهدا لها، ثم تبعت هذه الموجة موجاتٌ أخرى من الصغار والشباب الذين ينتحرون ويلحقون الأذى بأرواحهم وبأجسادهم وبمجتمعهم بالتوجيه عن بُعد عبر وسائل التواصل الاجتماعى الحديثة.
إن كل هؤلاء بما أصابهم فى قلوبهم فألغى عقولهم وأفسدها قد تعرضوا لإصابة فى القلب، والمقصود هنا الفؤاد والعقل.
قال سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم فى حديثه: "إن فى الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله : ألا وهى القلب" (صحيح البخارى ومسلم).
وحذرنا الله تعالى فى كتابه العزيز: "..أن الله يحول بين المرء وقلبه.." (الأنفال: 24)، "..فإنها لا تعمى الأبصر ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور"(الحج: 46).
والقلب موضع نظر الله عز وجل لنا نحن البشر حيث قال خير الأنام صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأشكالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" (صحيح مسلم وابن ماجه وأحمد).
والقلبُ أساس قبول الأعمال عند الله وفق قوله تعالى: "يوم لا ينفع مال ولا بنون (88) إلا من أتى الله بقلب سليم" (الشعراء 88ـ 89).
أما كيفية التقرب إلى الله فإن أساسه أعمال القلوب وتحصينها من الهزيمة أمام إبليس وأعوانه، وتشمل أعمال القلوب ما يلى: 1ـ النية، 2ـ الإخلاص 3ـ التواضع 4ـ المجاهدة 5ـ الاستقامة: والاستقامة المقصودة قال عنها الفقهاء إن لها خمسة أوجه هى: استقامة اللسان على الذكر والثناء، واستقامة النفس على الطاعة والحياء، واستقامة الروح على الصدق والوفاء، واستقامة القلب على الخوف والرجاء، والتعظيم والوفاء لتعاليم الله. 6ـ الورع. 7ـ الصبر. 8ـ الصدق. 9ـ التوكل. 10ـ التقوى. 11ـ الخوف. 12ـ الرجاء. 13ـ الشوق والأنس ويقصد بهما الشوق إلى الله والأنس بالله. 14ـ الرضا.
إن إبليس، منذ أن طرد من الجنة وحتى الآن وإلى يوم القيامة، ليس له عمل إلا إفساد الناس ودفعهم إلى طريق السيئات، وله فى ذلك طرق ٌوأساليب وأدوات يخوض بها معركته ضد بنى آدم حتى قيام الساعة، وهى كما يلى:
1ـ الإغواء: فقد جاء فى كتاب الله العزيز: " فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ"(ص: 82)، و"قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِى الأرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ" (الحجر: 39).
2ـ الاستزلال: قال تعالى "إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا" (آل عمران : 155).
3ـ الكيد: قال تعالى: "إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا" (النساء : 76).
4ـ الوعود الكاذبة: قال تعالى: "يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا" (النساء : 120)
5ـ نشر العداوة والبغضاء: قال تعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ" (المائدة :91).
6ـ الوسوسة: قال تعالى: "فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا" (الأعراف :20).
7ـ النزغ: أى إفساد العلاقة بين الأطراف ويثير موجة من الشر بينهم، قال تعالى: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ" (الإسراء: 53).
8ـ الدعوة إلى عبادته: وذلك بدعوة ضعاف النفوس والإيمان إلى عبادة غير الله والكفر بالله وشريعته.
9ـ الفتنة: قال تعالى: "لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ" (الحج : 53).
10ـ الأمر بالفحشاء والمنكر: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (النور : 21).
11ـ الصد عن الخير: فابليس يصد الناس عن فعل الخير. قال تعالى : " وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ" (الزخرف : 62)، وجاء فى القرآن الكريم : " فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ"(الأعراف:16 ، 17).
12ـ التزيين: فهو يزين للإنسان الشرك والمعاندة وارتكاب المعاصى.
لقد حذر الله البشر من إبليس وذريته حيث قال تعالى: "إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ" (فاطر: 6).
وهكذا ونحن فى شهر رمضان المعظم يكون الشيطان هو الأضعف وتكون الغلبة فيه للإنسان المؤمن وتحديدا من وصفهم الله فى القرآن الكريم بـ"ِالعبَادَ الْمُخْلَصِينَ".
وباختصار فإننا فى رمضان فى أنسب وقت للانتصار على إبليس وأعوانه وتلاميذه من المتلاعبين بالقلوب والعقول .. لنغتنم الفرصة وننتصر.