أشرف السويسى
«كلام جرايد».. سماحة «الأمازون»
من أغرب ما قرأت عن الصعيد المصرى المحافظ التقليدى، هو ما جاء فى صحيفة أخبار اليوم عن قرية تدعى سماحة وتبعد عن أسوان بنحو 120 كيلومترا، وقد أصبحت ملاذا للمطلقات والأرامل فقط، أى أنه غير مسموح للرجال ولا حتى للنساء المتزوجات دخولها والوجود فيها، وتقوم هناك النساء بنشاط زراعى، بل هى القرية الأولى ضمن 5000 قرية قادمة بهذا النظام فى مصر، حيث قررت وزارة الزراعة أن تقيم قرى لتشجيع عمل المرأة فى مجال الزراعة وذلك منذ عام 1997، حيث خصصت ما يقرب من 1888 فدانا لنحو 303 مطلقات وأرامل، وتضم القرية نحو 300 أسرة من النساء وأطفالهن فقط ولا مجال للرجال، وغير مسموح لهن بالزواج فى القرية، ومن ترد منهن الزواج فعليها مغادرة القرية ورد الأرض.
ولأن لكل شىء بدايات مختلفة فى بلادنا فإن وزارة الزراعة بدأت هذا المشروع تحديدا للخريجين الجدد، ولكنها لأسباب لا نعرفها تحولت إلى مطلقات وأرامل، وقد مكنت الوزارة هؤلاء المعيلات للانتفاع بالأرض لكسب لقمة العيش، ولكن لكى تتملك الأرض عليها الإقامة 15 سنة كاملة دون زواج فى القرية، وعلى شرط إضافى وهو أن يكون لديها أطفال تعولهن، ولا يشترط انتماؤها إلى إقليم الصعيد، ولكن أى مطلقة أو أرملة مصرية ممكن أن تنضم لهذا المجتمع النسوى المغلق، ولها أن تحصل على مساحة 5 أفدنة ومنزل، أما المنازل فهى مكونة من غرفتين ومطبخ وحمام وحظيرة مواشى، وتسهم وزارة الزراعة بقروض قيمتها 20% من ثمن المواشى التى يتم شراؤها من قطاع الثروة الحيوانية.
واجتماعيا فإن لكل النساء لقاء مسائى وصباحى قبل الشروق، أى قبل الذهاب للحقول ليتسامرن فى الليل، وفى الصباح يرتبن أمورهن فيما يجب فعله وعن تصريف وبيع المحاصيل، والأجمل أنه لكل حى فى القرية زعيمة يجتمعن عندها كل مساء للقضاء فى مشاكلهن والاستئناس برأيها والرضا بحكمها العرفى.
وتعد هذه القرية من غرائب مصر التى تفاجئنا بها دائما، وقد أدهشتنى شخصيا هذه التجربة الفريدة على مستوى العالم كله، على حد علمى، اللهم إلا فى العصور الغابرة فى غابات "الأمازون" فى أمريكا الجنوبية حيث كان هناك ممالك نسائية فى هذه الغابات تحكمها النساء وتكون الكلمة العليا لهن بل والسلطة والأمر والنهى والعمل والجد والاجتهاد والإنتاج والحرب، فكلها شأن نسوى صرف وليس للرجال إلا الأشغال الهامشية والخدمية والأقرب إلى أعمال الخدم والعبيد والبقاء مع الأطفال والرضع حتى تعود النساء من الصيد أو من الحرب.
وقد أنتجت هوليوود عنها عدة أفلام، وباختصار هناك الرجال يعدون كمواطنين درجة ثالثة على أفضل الأحوال، وهذا ما أتوقعه لهذه القرية المصرية الأمازونية، ولكن فى الجيل الثانى من الأبناء على أقصى تقدير.