السيد الغضبان
النتائج العكسية للإعلانات
احتل الاعلان مكانة مهمة فى منظومة تسويق المنتجات بكل أنواعها. وانشئت الوكالات المتخصصة فى انتاج الاعلان المناسب لكل منتج والتى تدرس بعناية الأساليب والاشكال والمواعيد المناسبة والوسائل الأكثر تأثيرًا فى الجماهير.
فى مصر لتقدم المذهل فى البث التليفزيونى أكدت الدراسات الموثوقة أن بث الاعلانات على شاشات القنوات التليفزيونية من أكبر الوسائل تأثيرًا فى الجماهير.
وبدأت وكالات الاعلان تخطط لتحتل هذه الشاشات على حساب المادة الاعلامية والثقافية والترفيهية وتقديم الخدمة العامة للجمهور وهى ـ أى هذه المواد ـ مبرر اطلاق القنوات الاذاعية والتليفزيونية باعتبارها وسائل «إعلام» وفى المقابل تنبه علماء وخبراء الاعلام إلى خطورة هذه المحاولات لفرض «الاعلان» هيمنته على وسائل الاعلام فتمت صياغة النظريات العلمية ومدونات السلوك المعنية بالاعلام، على أساس التحذير بقوة من محاولات هيمنة «الاعلان» على وسائل الاعلام لأن «الاعلان» بطبيعته نشاط هدفه «تجميل» المنتج الذى يدعو الجماهير للاقبال عليه ولتحقيق هذا الهدف يتنكر تمامًا لكل القواعد والمعايير التى تحدد مسيره ونشاط الاعلام المطالب دائمًا بتقديم الحقائق بموضوعية وحياد تام.
فى كل بلاد العالم يعرف المسئولون عن الاعلام هذه الحقائق فيضعون الشروط الصارمة لبث الاعلانات. ومن هذه الشروط عدم السماح «للاعلان» بالطغيان على المادة «الاعلامية» باستخدام أمواله الغزيرة والمغرية. أما فى مصر فقد استسلم المسئولون عن الاعلام لاغراء أموال الاعلان ففتحوا أبواب القنوات على مصراعيها ليتمكن الاعلان من بسط سيطرته الكاملة على الاعلام.
هذه حقائق لا تخفى على أحد وتناولتها أقلام عديدة خاصة مع موسم «فيضان الاعلان» الكاسح خلال شهر رمضان واغراق المادة الاعلامية والثقافية بل والترفيهية المحترمة فى أوحال فيضان اعلانات بالغة السخف والتفاهة.
الأغرب أن عددًا هائلاً من هذه الاعلانات تمعن فى تقديم الاعلان من خلال «اسكتشات» غنائية أو مشاهد تمثيلية يضيع معها تمامًا الهدف المطلوب وهو تعريف المتلقى بالمنتج وابراز ميزاته.
من يتابع شاشات القنوات هذا العام يلاحظ الافراط فى استخدام هذه الاسكتشات بطريقة ساذجة والالحاح بتقديمها عدة مرات خلال الساعة الواحدة مما دفع الجماهير لتحويل مؤشرات القنوات هربًا من مشاهدة هذا السيل من الاعلانات.
ومن نتائج هذه السيطرة والالحاح الساذج شعرت الجماهير بحالة من «القرف» والسخط ولاشك أن الاعلانات فقدت تأثيرها على الجماهير وبدلاً من أن تكون مادة جاذبة تدفع الجماهير للاقبال على هذه المنتجات تبدل الحال تمامًا واصبحت حالة السخط على الاعلانات دافعًا قويًا للجماهير لكراهية هذه المنتجات.
وكالات الاعلان تمكنت من الاستيلاء على المليارات من «منتجين» تصوروا أن هذه الاعلانات تريد الاقبال على منتجاتهم بينما الواقع يؤكد أن الاعلانات اثرت سلبًا على اقبال الجماهير على منتجاتهم.
ويستطيع المنتجون أن يطلبوا من شركات استطلاع رأى محترمة رصد نتائج اعلاناتهم ليتأكدوا أن المليارات التى دفعوها للترويج لمنتجاتهم خلال شهر رمضان قد فشلت تمامًا فى انجاز هذا الهدف بل انها ـ أى هذه الاعلانات» أصابت المشاهدين بحالة «قرف» من هذه الاعلانات انسحبت على منتجاتهم.