عصام العبيدى
إشراقات .. أنا.. والبطيخة القرعة!!
من صغرى.. وأنا أعشق البطيخ.. وكان والدى رحمة الله عليه.. يشترى لنا البطيخ الكبير.. وكان وزنها أحياناً يصل لعشرة كيلو.. فكنا ننزل عليها وكأننا فى تحدٍ.. حتى ننهى عليها تماماً.. لمَ ﻻ وعددنا ستة أولاد.. بالإضافة لأبى وأمى.. يعنى عائلة من ثمانية أفراد!!
واستمر عشق البطيخ معى.. حتى تجاوز عمرى الثلاثة والخمسين عاماً كاملة!!
سردت عليكم تاريخى مع البطيخ.. حتى تدركوا الكارثة التى أعيش فيها حالياً.. فقد انتهى تقريباً زمن البطيخ الحلو.. حتى أصبح البطيخ أقرب لطعم الخيار.. حتى لو كان أحمر فى لون الدم! بل كنت شاهداً على معركة حامية الوطيس.. بين بائع البطيخ وأحد الزبائن.. فقد اشترى الزبون البطيخة.. وأصر على البائع أن يشق البطيخة بالسكين.. وبالفعل كانت حمراء كشربات الورد.. وهم البائع باستعادة الجزء المشقوق من البطيخة.. لكن الزبون كان "غتت حبتين".. وأصر على تذوق البطيخة!!
وهنا حدثت الكارثة.. فقد وجد البطيخة بلا أى طعم.. عديمة الحلاوة.. وهنا أصر على عدم شرائها.. بل وأخذ يستشهد بباقى المشترين.. وصمم على تذوقهم للبطيخة.. فشهدوا جميعاً على عدم حلاوتها.. فى حين أن البائع مصمم على أنه مسئول عن الحَمااااار.. وليس مسئولاً عن الحلاوة.. وفى النهاية استسلم البائع.. حتى لا يخسر باقى زبائنه.. وألقى بالبطيخة إلى الحِمار الذى يجر العربة الكارو.. ليأكلها بالهنا والشفا!!
أما أنا فمصيبتى تجاوزت كل حد.. فأنا لا أحب أن يفتح البائع البطيخة.. وأحب الاعتماد على ضمير البائع فى الاختيار.. وفى كل مرة يرسب البائع فى اختبار الضمير.. ويثبت لى خطئى.. وأفاجأ بالبطيخة إما قرعة أو حمراء لكن بلا طعم!!
وفى آخر مرة حلّفت البائع بكل الغاليين.. أن يختار لى بطيخة على أمانته.. وبالفعل اختبر الرجل عدة بطيخات.. بالضرب على البطيخة من الخارج.. وفى النهاية اختار واحدة منها!
دفعت له الثمن.. وأنا أدعو له بالبركة والربح الحلال.. وحملت البطيخة إلى بيتى.. وأنا أمنى نفسى بحَماااار وحلاوة البطيخة!!
وما أن وصلت للبيت.. حتى أسرعت ابنتى بشق البطيخة بالسكين.. وهنا انفجرت فى موجات ضحك متواصلة.. بعد أن وجدنا البطيخة فى لون شعر نوال السعداوى!!
فأصبت بخيبة أمل.. يعلم الله مداها.. لدرجة أن ابنتى استحلفتنى.. والنبى يا بابا بلاها بطيخ تانى.. وحرصاً منها على إشعارى بالذنب.. وتذكيرى الدائم بخيبتى.. وضعت البطيخة القرعة فى التلاجة.. ولم تلق بها فى الزبالة كعادتنا مع البطيخ مؤخراً.. فكلما فتحت الثلاجة.. رأيت البطيخة القرعة.. وأدركت خيبتى بأم عينى!!
على خبراء الزراعة فى بلادنا.. الإجابة عن هذا السؤال: أين ذهبت حلاوة البطيخ يا عالم؟.. هل العيب فى السلالات المنزرعة.. أم فى الأسمدة والمبيدات المرشوشة.. أم العيب فى الأرض نفسها.. التى غاب عنها طمى النيل منذ سنوات؟!
أموت وألاقى بطيخة.. من بتوع أبويا!!