جلاء جاب اللة
.. والسلام ختام .. قطوف رمضانية "3"
مع نسائم شهر رمضان نعيش.. فهو شهر القرآن الكريم.. أنزله الله إلي السماء الدنيا في ليلة القدر.. وهو الكتاب المنير الذي أنزله الله علي حبيبه المصطفي محمد- صلي الله عليه وسلم- ليكون هدي ورحمة للعالمين.. من يتدبره بحق يجد فيه كل أمر يقول سبحانه وتعالي: "وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد" فهو- أي القرآن- أنزله الله ليهدي به من يشاء ويخرج به الناس من الظلمات إلي النور.. ومن يتدبر آياته يجد فيه كل أمر وإجابة كل سؤال وشفاء لما في النفوس..!
القرآن في رمضان.. هو الصاحب والرفيق وهو النور الذي يهدي الطريق.. بل هو ذاته الطريق لمن يفهم القرآن إذا تدبرنا آياته بقلب خاشع وإيمان صادق سنجد فيه اجابة كل سؤال وهداية كل حيرة.
يقول سبحانه وتعالي: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر".. وفي آية أخري يشير جل جلاله لما في هذا الكتاب من إعجاز رباني فيقول سبحانه وتعالي: "لو أنزلنا هذا القرآن علي جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون" فهل نتفكر ونتدبر ونفهم ونعي؟ لو أنزل الله سبحانه وتعالي هذا القرآن علي جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله.. فما بال قلوبنا لا تخشع ولا تتصدع من خشية الله وهي تقرأ القرآن؟ ذلك لأننا لا نتدبر المعاني ولا نعيش لحظة الصدق مع الله ومع كتابه المنير!!
انه القرآن الذي قال عنه الله سبحانه: "الم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين".. هو القرآن الذي يقول عنه "هو الذي ينزل علي عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلي النور وأن الله بكم لرءوف رحيم" وقال سبحانه: "بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون".
فمن أوتي العلم. ومن سعي للنور هربا من الظلمات ومن أراد أن يكون مع المتقين ومنهم.. فهو الذي يتدبر القرآن ويفهم معانيه ويقرأه بقلبه قبل عينيه ذلك لأن آيات الله لا يعلم تأويلها إلا الله.. ومن ارتقي بعلمه وفهمه وخشوعه وإيمانه آتاه الله من التأويل والفهم والخشوع مما يجعله من المتقين.
يقول الله سبحانه وتعالي: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله.. والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب".
فالراسخون في العلم يرتقون بفكرهم وفهمهم إلي معاني القرآن وهم يتدبرونه.. أما الذين تشغلهم الدنيا بنزواتها وعثراتها فإن عقولهم لن تصل إلي الفكرة وقلوبهم لن تصل إلي نور الآيات.. بل ينغمسون في معان بعيدة دنيوية.
فالانسان جسد وروح.. ولكي يسمو الانسان بنفسه لابد أن يسمو بروحه وليس بجسده فقط.. وسمو الروح يأتي في تدبر القرآن ومعانيه والعمل به.. لذلك كان الحبيب المصطفي- صلي الله عليه وسلم- وهو خير خلق الله كلهم "قرآنا يمشي علي الأرض".. كما وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها.
وإذا كانت الروح من أمر الله فلا دخل لأحد فيها سواه سبحانه وتعالي وليس لها مقاييس أو معايير دنيوية بل هي من أمر الله سبحانه وتعالي.. يأمرها فتكون في الجسد عند حمل الأم في جنينها حتي تلده فيستقر الروح في جسد الطفل وتظل معه حتي يكون أو الله ويتوفاه الله.. فهي بأمره سبحانه وتعالي منذ كان جنينا حتي يكون أمر الله بالوفاة.. أما الجسد فهو إما مع الطاعة أو مع المعصية إما مع الله أو مع الشيطان يقول سبحانه وتعالي: "فأما من طغي وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوي. وأما من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوي فإن الجنة هي المأوي".
ويقول سبحانه وتعالي: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. إنا اعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وان يستغيثوا يغاثوا بالماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفعاً" وهنا تظهر حقيقة وجود الانسان علي الأرض.. فمن اتبع الله وأوامره واجتنب نواهيه فتوافق جسده مع روحه وعرف الطريق كان عبداً صادقاً في عبوديته وكان من المتقين ومن الصالحين الذين أحبهم الله نجعلهم من أوليائه.. أما من اتبع الشيطان وغوي.. وظهرت معصيته في سلوكه البشري وما تفعله حواسه في اتباع الشهوة والنزوات بالمخالفة لأوامر الله وسلك مسلك الشيطان فإنه في هذه الحالة ينفصل سلوك الجسد عن سلوك الروح ويظل الصراع قائما بين الجسد والروح.. فإذا انتصرت الروح واستغفر لربه وتاب وندم وأناب وآمن وعمل صالحا فإنه بذلك تعود الروح إلي الجسد ويتلاقي الجسد مع الروح في رضا الله.. "ألا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون".. أما إذا انتصرت نزوات الجسد وشهوته وغلبت الروح ونجح الشيطان في مسعاه- لا قدر الله- ونجح الشيطان في قوله لله سبحانه وتعالي "قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين. قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين" أي أن من ضل ولم يتب ومات علي غوايته وكفره وضلاله فإن مصيره جهنم والعياذ بالله.
من تدبر القرآن وفهم معانيه فإن القرآن سيكون شفيعه ان شاء الله "اللهم شفع فينا القرآن".
"ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم ان يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً".
انه فضل الله يؤتيه من يشاء.. ومن رزقه الله حب القرآن وقراءة القرآن وتدبر القرآن فإن له حسنات لا يعلمها إلا الله.. وكما قال رسولنا الكريم- صلي الله عليه وسلم- فإن للقارئ بكل حرف حسنة وليست "الم" حرف بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف ويضاعف الله الحسنات لمن يشاء سبحانه..!
لقد ميز الله الانسان بنعمة العقل.. ووهبه حق الاختيار فمن نجح في اختياره فقد فاز ومن ضل فقد خاب.
ولأن الانسان كان ظلوما جهولا فقد فرح وانتشي بالأمانة دون أن يفكر أو يتدبر في صعوبتها أو توابع حملها.. ولو علم لكان مثل كل مخلوقات الله وأبي أن يحملها لكن قدر الله كان وتلك مشيئته.
يقول سبحانه: "إنا عرضنا الأمانة علي السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوماً جهولاً".. وبرغم انه كان ظلوماً جهولاً.. إلا أن من علم من البشر انه هو الله لا إله إلا هو الرحمن الرحيم له الأسماء الحسني وهو القادر وحده لا شريك له وهو العظيم الحكيم.. من علم حق الله وعمل بطاعته واختار أن يطيع الله ورسله.. كان من المخلصين ومن اتقي الله تقاه نجي وكان من الصالحين ومن أهل الجنة ومن أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. فاللهم اجعلنا منهم واجعلنا من أهل مغفرتك ومن أهل رحمتك.. ومن عتقائك من النار ومن المقبولين في هذه الأيام المباركة.
همس الروح
.. استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه.. اللهم اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
.. اللهم في هذه الأيام المباركة بشرنا بالخير كما بشرت زكريا بيحيي.. واحفظنا وأهلنا من كل مكروه وأنزل علي قبور موتانا الضياء والنور والفسحة والسرور.. اللهم جازنا وجازهم بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفواً وغفراناً حتي تطمئن قلوبنا وقلوبهم.
.. اللهم ابعد عنا أذي الدنيا وحيرة النفس وحزن الليل وبكاء القلب وسوء الخاتمة وافتح لنا أبواب رزقك وقدر لنا كل الخير.