صباح الخير
طارق رضوان
بعد حلف اليميـن
من مصر. دائمًا تكون البداية. بداية طريق طويل وشاق. ويتبعها الآخرون. تزيح مصر معوقات المستقبل. وتدفن الألم واليأس فى رمال صحرائها. وتبدأ من جديد. تغرز بأرضها الطيبة بذور الخير والسلام. لتنبت أغصان الأمان. بعد أيام يقف الرئيس السيسى أمام الأمة يحلف اليمين لفترة رئاسية ثانية. يمين لبناء المستقبل. وسط أمواج من الكراهية والفوضى والحروب المعتدية. فالحرب أزميل سيئ لنحت الغد. لكن مصر بشرفها ونبلها وإخلاصها قادرة على الانتصار. برجال النصر.
دائمًا تعود مصر سريعًا من كبوتها. عودًا جميلاً. مبهجًا ومتوهجًا وقويًا. تبنى وتحارب الفساد وقوى الشر. وتتحمل صعوبات ومعوقات الإصلاح. وسخافات المعارضين المزايدين لذلك الإصلاح. عادت مصر بعد أعوام من الخوف. ومن الألم. ظهر فيها تيار غريب. بلا وطنية وبلا مشروع قومي. وبلا ولاء. لكنه محدد الهدف. أطلقوا عليهم تيار الليبراليين الجدد. فظهرت المجموعة الأمريكية فى أساس الدولة. كانوا يهرولون لتحقيق المشروع. الخصخصة كانت تتم بسرعة مفرطة وسط اندهاش وسخط وغضب من رجال مخلصين فى الدولة لا يملكون وقتها سوى الاعتراض. ومارسوا الضغط بحرفة الفضيحة عن طريق التسريبات للصحف المعارضة. لكن السرعة فى التغيير أصابت الدولة المصرية بمرض رخاوة العظام. فانكمشت يدها وارتعشت وضعفت فى جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافية. وانسحبت من مجال بعد آخر ليحل محلها جديد وغريب. بل لقد أصبحت الدولة نفسها نهبًا سهلاً لكل طامع يستطيع كل صاحب حظوة أو نفوذ أو مال أو حتى مجرد الجرأة وبعض الشطارة أن يضع يده على أرض ثمينة كانت مملوكة للدولة. أو أن يعلو بعمارة يبنيها إلى أى ارتفاع يشاء خلافًا للقانون. أو أن يستورد ما شاء من الممنوعات أو يهرب إلى الخارج ومعه ما استطاع أن يضع يده من آثار أو أموال أو يهرب هو نفسه إلى الخارج بعد أن يكون قد اقترض من أموال الدولة ما استطاع دون أن يتصدى له أحد فى المطار لإيقافه. يخرج من صالة كبار الزوار يصحبه الدعاء بسلامة الوصول. وهو ما نتج عنه انقسام الأمة إلى فريقين كل منهما فى معسكر. معسكر الأغنياء. ومعسكر الفقراء. لا يجمع بينهما شيء. بل تحكم كل منهما عواطف مختلفة عن عواطف الآخر. وانقسمت مصر إلى امتين. أمة من الأغنياء وأمة من الفقراء. وهو ما عبر عنه دزرائيلى فى وصفه الإمبراطورية البريطانية منذ 140 عامًا منتقدًا إياها. ومحذرًا من الانهيار حتى انهارت. لا يقتصر الأمر على حجم الفجوة الفاصلة بين الأمتين. وإنما يتعلق كذلك فى المشاعر والآمال ونمط الحياة. وأصبحت مصر دولة افتراسية كما وصفها بيتر بى ايفانز أستاذ علم الاجتماع بجامعة هارفارد، الذى قسم الدول إلى ثلاثة أشكال. الافتراسية والوسيطة والتنموية. كانت مصر فى تلك المرحلة أنموذج الدولة الافتراسية. وهى الدولة التى تخضع لسيطرة نخبة سياسية مصممة على تحقيق مصالحها هى حتى لو كان على حساب مصالح الأمة ككل. وتحت مظلة تلك الدولة تدير عادة أمورها بيروقراطية حكومية لا تتمتع بالكفاءة. وفاسدة. تساعد فى تسهيل نهب اقتصاد البلاد من جانب النخبة الحاكمة. ومن هنا ظهرت طبقة كبيرة من المنتفعين والانتهازيين فى مجالات عديدة. السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية. كان كل همهم هو جلب الأموال وتكديسها فى البنوك مقابل ترديد شعارات حماسية للنظام الجديد. وتقديم كل فنون أشكال الطاعة والولاء للحفاظ على أكبر كم من المكاسب. وكلما زاد المقابل زاد الحماس فى الدفاع المستميت عن تلك المرحلة. وذلك المشروع. فانهار النظام تمامًا. لكن تلك الطبقة. طبقة المماليك الجدد استطاعت بما تملكه من مهارات الطفو السياسى أن تختفى لبعض الوقت ثم عادت لتعرض خدماتها. تلك الطبقة كانت تعمل على استحياء فى ظل الدولة السابقة للدولة الافتراسية التى تسمى حسب تعبير ايفانز الدولة الوسيطة. وهى الدولة التى تكون قد بنت قدرة إدارية ما. لكن أبنية هذه الدولة فى الغالب مفتتة وقابلة للاختراق من جانب جماعات المصالح المختلفة. لم تكن تلك الدولة الوسيطة مناخًا خصبًا لنمو الطبقة الانتهازية. وبعد أن أزاحت ثورة يونيو العظيمة آثار الدولتين – الوسيطة والافتراسية- ظهرت الدولة التنموية على يد الرئيس السيسى ورجاله المؤتمنين فى بناء تلك الدولة القوية. فظهرت مرة أخرى وبقوة تلك الطبقة تعرض خدماتها. ليصبحوا رجال كل العصور. وراحوا يرددون شعارات المرحلة. مرحلة الدولة التنموية. فقد اعتادوا لعب أدوار الولاء والتشدد فى الدفاع عنه. لكن الدولة التنموية لما تحمله من أعباء كبيرة وثقيلة فى تحقيق استراتيجيتها تركت تلك الطبقة لوقت معلوم حتى الانتهاء من البناء. فالدولة التنموية حلم لا يقوم على المزاج الشخصى يستهوى صاحبه أن تكون دولته التى يحكمها دولة قوية. بل يقوم حلم الدولة القوية على ضرورات أمن وطنى ومطالب صراع دولى وحوافز سباق نحو التنمية والبناء. الدولة التنموية لا تظهر ولا تكبر بطريقة عفوية وتلقائية. إنما تنشأ وتكبر بدرجة من القصد والجهد تتولى تصميم وهندسة مشروعها وتقوم على توجيه حركته ومتابعته. لأنه ليس هناك وطن أو أمة أو دولة تنام فى المساء وتستيقظ فى الصباح فإذا هى دولة قوية قادرة على تطويع طاقتها وبناء قوتها. وإنما تتشكل الدولة القوية بضرورات ومطالب ووسائل وأدوات واعية وفاعلة. وحتى إذا بدأ نشأة المشروع التنموى حلمًا. فإن ظهور الحلم خلافًا للوهم سعيه الدوءب والقادر على تحقيق التقدم والبناء والتعمير. وحلم بناء دولة للمستقبل. الدولة القوية كانت دائمًا مشروعًا عامًا يحمل رمزًا رئاسيًا ويحمل راية وطنية ويمثل مصلحة عليا. وظلت الدولة القوية موقع القيادة لا ترضى للقوة أن تتورط وراء مطامع بغير تدبر. فالعادة فى تجارب الدول القوية أن المشاريع الكبرى لا مجال لها خارج إطارها، لأن ذلك تكليفها الأهم كما كانت العادة. فقرار الدولة واقع تحت المسئولية الدستورية وكذلك كانت العادة أن التخطيط الاستراتيجى اختصاص الأمن القومي. فالدولة التنموية تمتلك بيروقراطية متطورة توظف بناء على جدارتها وتمتلك قدرة عالية على أداء كل الوظائف المطلوبة لتعظيم التنمية الاقتصادية. وهذه البيروقراطية مع أنها تكون مستقلة نسبيًا عن جماعات المصالح تحافظ فى ذات الوقت على روابط وثيقة مع الشركات الخاصة الكبيرة. وهو ما ظهر فى مقابلة الرئيس السيسى لرؤساء مجالس إدارات كبرى الشركات العالمية. ليعطى انطباعًا جادًا لمسيرة الدولة فى طريقها نحو التقدم. لتكون مشتبكة فى شبكات اجتماعية منتقاة. فالاستقلالية النسبية للدولة التنموية عن الطبقات والشرائح الطبقية المهيمنة مهمة جدًا للتحول الاقتصادى للمجتمع. إن استقلالية الدولة قد تأخذ شكل الاستقلال الكلى عن جميع القوى الاجتماعية فى المجتمع. والدولة لكى تفرض سياسات اقتصادية معينة يكون عليها أن توازن بين المصالح المجتمعية لكى تحافظ على استقرار النظام. واستقرار النظام مطلب مهم لمتابعة استراتيجيات اقتصادية طويلة المدي. من هنا لابد من انتقاء رجال الدولة. رجال يعرفون خطورة المرحلة وأهميتها. يتحملون دون شكوى أو مطالب ذاتية مصاعب مرحلة البناء. وهم موجودون بالفعل. لكن بالتطهير وهو قادم لا محالة. سيتولى رجال النصر القيادة بجوار وباختيار الرئيس السيسى بعد حلف اليمين لنكمل سويًا مسيرة البناء.•
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف