كان الإعلام وأكثر المسؤولين وبعض من الطبالين أيام مبارك يبالغون لأقصي درجة عند وصف أم ما في الدولة وكأننا نعيش في المدينة الفاضلة، مثلاً كثيراً ما كان يتردد كلمات مثل "مصر تعيش ازهي عصور الديموقراطية"، و"العامل أو الموظف المصري يقضي في عمله أقل وقت-أقل من نصف ساعة يومياً-علي مستوي العالم ورغم ذلك كان يقال أن الشعب المصري من أكثر الشعوب غني ورفاهية ورحرحة"!، كما كانت تتردد كثيراً سواء في الصحف أو وسائل الإعلام الإخري كلمات مثل "سجلت أرقاماً قياسية، غير مسبوقة، أعلي عائد، وغيرها الكثير من المغالاة.
تذكرت هذا الكلام أمس عندما قرأت في شريط الأخبار الذي يُكتب أسفل الشاشة في فضائية "دي إم سي" عبارة علي لسان الخارجية المصرية تقول فيها "مصر ترفض تصريحات المتحدثة بإسم جهاز الخدمة الخارجي للإتحاد الأوربي بشأن الأوضاع في مصر"، ثم أعقبها جملة تقول علي لسان الخارجية أيضاً "مصر دولة قانون، ومنابرها الإعلامية خير شاهد علي ما تتمتع به من حرية رأي وتعبير". أتذكرمن وقت ليس بالبعيد إنتقد السيد الرئيس المنابر الإعلامية تلك وكان سيادته غير راض عن الإعلام المصري بالعموم لما فيه من مبالغات وتطبيل ونفاق-بغشومية من البعض- فاق الوصف، وكذلك أرقام وتقارير لا هدف لها سوي التضليل وأمور كثيرة ودفاعات عن الحكومة في غير محلها، قد يكون مردودها عكس ما كان يريد لها المطبلون أي تضر ولا تنفع، بالتأكيد الحكومة والنظام كانوا في غني هذا الكلام الذي يجافي الحقيقة.
منذ أيام قليلة سمعنا وقرأنا أيضاً كلاماً شبيه بما جاء علي لسان الخارجية عندما إدعت بعض وكالات الأنباء والصحف الغربية أوضاع الحريات وحقوق الإنسان في مصر، وأتذكر أيضاً أن الرئيس عندما كان يزور بعض البلدان الغربية وسأله صحفي منذ فترة حقوق الإنسان والحريات في مصر، كانت إجابته أكثر واقعية عندما ذكر إختلاف الظروف بيننا وبين الغرب، نظراً لما نواجهه من تحديات كثيرة وإرهاب وغيره من ميراث ثقيل كثير المشاكل والأعباء. فلماذا لا تحذو الخارجية حذو السيد الرئيس وتكون أكثر واقعية في بياناتها الكثيرة عند الرد علي الإنتقادات التي كثرت، ومن ثم تشرح الأوضاع في صورة تعكس ثقة بالنفس، دون التحدث بكلام قد يبدو للبعض أنه في المطلق وغير محدد، أيضاً نتمني أن يأخذ المسئولين تلك الإنتقادات أوالإدعاءات أوالإتهامات مأخذ الجد، لدراستها ومناقشتها ومراجعة النفس، وليس عيباً أن نعترف ببعض الأخطاء، لكن المشكلة تكمن فيالإنكار أو الإصرار علي أن نظل دائماً في موقف المدافع، لأنه يُقال أن مناقشة إحدي المسائل دون إصدار قرار بشأنها، أفضل كثيراً من إصدرا قرار من دون مناقشتها.