المصريون
جمال سلطان
ألغاز داعش في أوربا وعملية بلجيكا
أول أمس الثلاثاء ، وقعت حادثة عنف مثيرة في مدينة "ليج" الصناعية في بلجيكا ، حيث قتلت شرطيتان وقتل شخص ثالث على يد شخص مسلح قبل أن تنجح الشرطة في قتل المهاجم ، وصنفت الحادث على أنها عملية إرهابية قام بها شخص منفرد خرج لتوه من السجن ، وقد نجت المدينة من كارثة عندما دخل القاتل ـ بعد قتله للثلاثة ـ إلى مدرسة واحتجز طلابا محاولا اتخاذهم رهائن ، لكن لطف الله أنه لم ينجح في النيل منهم لانشغاله بالاشتباك مع الشرطة .
في التفاصيل التي أعلنت بعد ذلك ، ثبت أن القاتل هو مواطن بلجيكي شاب يدعى بنيامين هيرمان، ويبلغ من العمر 36 عاما، وقد تحول إلى الإسلام في السجن، فيما كان مسجونا في قضايا تتعلق بتجارة المخدرات، وله سجل جنائي في السرقة أيضا ، ويصنف خطرا بوصفه تاجر مخدرات وسوابق في العنف ، وقال عضو برلماني بلجيكي إن القاتل كان على قائمة مراقبة لمكافحة الإرهاب لدى السلطات الأمنية في بلجيكا بعد تحوله للتطرف داخل السجن، إثر اعتناقه للإسلام على ما يبدو على يد مجموعات متطرفة موجودة في السجن ، والمثير للدهشة أن السلطات البلجيكية قامت بالإفراج المؤقت عنه ، وإطلاقه دون أي رقابة أو متابعة ، حيث ارتكب جريمته فور خروجه من السجن ، ويبدو أنه قام قبلها ـ حسب تقارير أمنية ـ بتصفية أحد شركائه القدامى في عالم الجريمة والمخدرات قبل أن يقتل الثلاثة الآخرين .
بلجيكا تصنف تلقائيا ضمن المناطق الرخوة أمنيا في أوربا ، وهو ما يمنح المتطرفين والإرهابيين مساحة حركة أوسع من غيرها من الدول ، ولكن أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة من الاستهتار المثير للشكوك ، أن يتم إطلاق سراحه رغم خطورته البالغة التي تؤكدها أجهزة الأمن ورغم وضعه على قوائم المراقبة للإرهابيين ، ثم أن يترك بلا متابعة ولا رقابة عقب إطلاق سراحه ، لدرجة أنه يرتكب جريمته في اليوم الثاني مباشرة من إطلاق سراحه ، حيث هاجم الشرطيتين من الخلف بسكين في حوالي الساعة العاشرة والنصف صباحا ثم استولى بعد ذلك على مسدسي الشرطتين وقتلهما بالرصاص، قبل أن يقتل شابا يبلغ من العمر 22 عاما كان يجلس داخل سيارة متوقفة ، فهذا ما يصعب على العاقل استيعابه .
من تحصيل الحاصل أن ندين تلك الجريمة ومرتكبها ، كما ندين أي نسبة لها إلى الإسلام ، هذا محض إرهاب لا صلة له بدين ، كما أنه يعيد تأكيد الملاحظة المتواترة في جميع العمليات الإرهابية التي تمت في أوربا خلال الأعوام الماضية ، وهي أن مرتكبيها دائما من أصحاب السوابق في عالم الجريمة ، تجار مخدرات ومهربون ولصوص محترفون ، يتم استقطابهم من قبل عناصر متطرفة تستثمر نوازع الضمير داخلهم الذي يؤنبهم دائما على انحرافهم وما ارتكبوه من أعمال ، وتقنعهم بأنه يمكن أن يغتسلوا من كل جرائمهم إذا قاموا بأعمال إرهابية لصالح التنظيم الإرهابي أو ضحوا بحياتهم من أجله ، لذلك يكون هؤلاء الجهلة والأميون دينيا الأسرع في الاندفاع لأعمال العنف ، حيث لم يحظوا بأي قدر من الثقافة الدينية الصحيحة ، فيسهل الدفع بهم في تلك المحرقة ، ولا يوجد في تلك العمليات كلها أي شخص مسلم متعلم أو مثقف دينيا أو درس في أي مؤسسات دينية أو تعليمية تتبع جهات علمية موثوقة في أوربا أو الشرق بشكل عام ، كلهم ـ بلا استثناء ـ جهلة ومدمنون وتجار مخدرات أو محترفون في عالم الجريمة بمختلف صورها .
لا أملك اتهام أي جهة رسمية في بلجيكا بتعمد تسهيل خروج هذا القاتل المجرم رغم علمهم بخطورته وإمكانية أن يرتكب أعمال عنف ورغم وضعه على قوائم المراقبة ، ولكن الواقعة برمتها تطرح تساؤلات كثيرة عن أسباب الإهمال العمدي في التعامل معها ، وكذلك توظيفها سياسيا وإعلاميا ، كسابقاتها ، في إعادة إحياء الاتهامات للوجود الإسلامي في أوربا ووضعه تحت سيف الاتهام المتكرر بالإرهاب .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف