د . أحمد عاطف
السينما بين الإرهاب والأمراض!
قضيت الإسبوع الماضي بأكمله تقريبا في دولة بوركينا فاسو لحضور المؤتمر السنوي للاتحاد الإفريقي للسينما. واسمه الرسمي (فيباسي). وهو اتحادت مرموق يمثل العاملين بمهن فن السينما وصناعاته المختلفة في 53 بلداً افريقياً، بالإضافة لممثلين عن تجمعات الأفارقة في المهجر في قارات أوروبا وآسيا والأمريكتين.
والحق أن بوركينا فاسو يطلق عليها منذ سنوات ارض السينما الإفريقية وواجادوجو عاصمة هذا البلد تسمي عاصمة الفن السابع في القارة السمراء. ربما تتعجب عزيزي القارئ كيف احتلت بوركينا هذه المكانة في محيطها الجغرافي وأمام العالم أجمع رغم وجود سينمات عريقة في القارة علي رأسها صناعة السينما المصرية , بوركينا كانت في قلب حركات التحرير الإفريقي واحتضنت الأفلام السينمائية المعبرة عن ذلك والمنتقدة بكل عنف لويلات الاستعمار، ووسائله التي لا تنتهي لسلب خيرات القارة السمراء. فأنشأت عام 1969 مهرجانا سينمائيا ضخما جمع كل الأفارقة علي اختلاف مشاربهم. المهرجان حمل اسم «فسباكو» ويحتفل أهل السينما العام المقبل بمرور 50 عاما علي بدء انعقاده واستمراره بانتظام وبنجاح منقطع النظير. مهرجان يدعو 3 آلاف سينمائي متخصص من إفريقيا والعالم ويحضره عشرة اضعاف هذا الرقم. بعضهم قادم بالسيارة عابرا عدة بلاد إفريقية. ليس ذلك فقط انما احتضنت بوركينا أيضا الاتحاد الإفريقي للسينما رغم انشائه أيضا عام 1970 بتونس، وأعطت له مقرا إداريا لاستمراره لوجستيا كل هذه السنوات. والاتحاد رغم فقر موارده أطلق كل مبادرة سينمائية مهمة في القارة طوال نصف قرن. فدعا لإنشاء السينماتيك الإفريقية وميدان للسينمائيين بإفريقيا لتخليد ذكراهم ومجلة بالفرنسية والانجليزية تسمي شاشات إفريقية.ودائما كانت بوركينا فاسو تتلقف الأفكار وتنفذها فورا. ولكي نعرف أهمية ما صنعته بوركينا، لابد أن نفهم حجم المعاناة والمشكلات التي تعيشها. اولا هي بلد مواردها الطبيعية قليلة جدا وأهمها الفول والقطن والذرة والثروة الحيوانية، لكن مازالت الأمراض الخطيرة تنتشر في البلد بشكل مخيف حسب احصاءات منظمة الصحة العالمية، مثل تفشي التهاب السحايا والحمي الصفراء والكوليرا. وانتشار فيروس نقص المناعة ودودة غينيا . ويعاني الكثيرون من الـ 13 مليون مواطن من سكان هذا البلد الفقر والبطالة. بالإضافة الي انخفاض اسعار الصادرات وارتفاع تكاليف الوقود. مما يسبب انخفاض معدلات الالتحاق بالمدارس خاصة عند الفتيات وانتشار عصابات الاتجار بالبشر، وعدم توافر مرافق الصرف الصحي في اقاليم بوركينا المختلفة. وليس هذا فقط، انما تعاني دولة بوركينا فاسو مشكلات سياسية مقلقة. بدءا من الصراع الأهلي في دولة ساحل العاج المجاورة. حتي إزاحة الدكتاتور بليز كومباري الذي حكم البلاد وأفقرها اكثر لعقود طويلة، وانتخاب الرئيس الحالى لبوركينا: روك مارك كريستيان كابوري بدلا منه منذ عامين. والذي شرف ضيوف المؤتمر وكاتب هذه السطور بالدعوة لمقابلته بالقصر الرئاسي في لفتة شديدة التحضر.
وقد عبر كابوري في اللقاء عن التزام بلاده بدعم الثقافة وعلي رأسها السينما رغم التحديات التي تواجهها بلاده. وقد دار بعدها حوار جاد بيني وبين عبد الكريم سانجو وزير الثقافة والفنون والسياحة في بوركينا، حكي لي فيها عن خطر الارهاب باسم الدين الذي تعاني منه بلاده ايضا. فتنظيميا القاعدة وداعش نشطان جدا في غرب إفريقيا. فمنذ عامين والحوادث الإرهابية لا تتوقفت بواسطة ما يسمي تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبري. ومنها الاعتداء علي مقار للجيش وقتل عمدة قرية واختطاف مدرس لغة فرنسية لنشره في رأيهم لغة الاعداء. والاعتداء علي السفارة الفرنسية. وغيرها.
وتستعد مجموعة الخمس وهي موريتانيا، بوركينا فاسو، النيجر، مالي، وتشاد لإطلاق مشروع انشاء قوة عسكرية مشتركة لمواجهة الإرهاب. وبوركينا فاسو مثل الكثير من بلاد إفريقيا بها الكثير من الأديان والعرقيات واللغات المحلية، كل منها يحافظ علي خصوصيته وطقوسه وملابسه وطعامه حتي الآن. وهي تضرب المثل في التعايش بينهم. حتي إنك تشعر برمضان مثلا هناك مثل اي بلد عربي. اما مادار في مؤتمر السينما الإفريقية، فله حديث آخر.