مجدى سبلة
يمين الرئيس..والتحديات المنتظرة
«أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه».. هذا هو نص اليمين الدستورى طبقا للمادة ١٤٤ من الدستور الذى سيلقيه الرئيس السيسى بعد غدا السبت الثانى من يونيو مجلس النواب المصرى، بعد أن انتهى المجلس من وضع اللمسات النهائية لمبنى البرلمان تمهيدًا للجلسة الخاصة التى ستشهد مراسم أداء الرئيس عبدالفتاح السيسى لليمين الدستورى لفترة ولاية جديدة مدتها ٤ سنوات قادمة.
قبل وبعد يمين القسم كانت تحديات الولاية الأولى قد تمثلت فى إصلاح سوق النقد، وضبط الأمن والاختلالات الهيكلية فى السوق المصرية، والتركيز على مشروعات البنية التحتية من شبكات الطرق ومحطات الكهرباء والمياه والصرف الصحى، وشق الأنفاق أسفل قناة السويس، ومشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان، ومشروع الـ١٠٠ ألف صوبة، والعاصمة الإدارية وقناة السويس الجديدة والعلمين الجديدة وغيرها من المشروعات التأسيسية التى عبرت بمصر مرحلة صعبة من واقعها الراهن.
أما تحديات الفترة الثانية؟ وما أبرز الملفات التى يُتوقع أن يلتفت لها الرئيس السيسى ويعمل عليها بقوة بعد حلف اليمين الثانى لولاية مصر؟
فى طليعة هذه التحديات التى تحتاج لخطط تعامل عاجلة وشاملة، تأتى ملفات الصحة والتعليم والبحث العلمى، التى تحتاج جهدا وتمويلا كبيرين لتطوير الخدمة المقدمة حاليا للمواطنين فى هذه المجالات، وقد تحدث الرئيس السيسى عن تلك الملفات فى مناسبات عديدة خلال ولايته الأولى، مؤكدا أنها ملفات ذات أولوية، وأن الدولة لم تهملها كما يروج البعض، لكن مرحلة البناء وتثبيت الدولة كانت تستدعى إجراءات متوازية فى كل المجالات.
وكان الرئيس السيسى قد أكد فى لقاءات ومؤتمرات عديدة، آخرها حكاية وطن فى يناير الماضى، أن المواطن المصرى يستحق الحصول على خدمة متميزة، وأن ملف التعليم والبحث العلمى ذو أولوية لدى الرئاسة، وستشهد الفترة المقبلة تطورا فى تلك الملفات التى تحتاج أموالا ضخمة للاستثمار فيها وتطويرها، ومن المنتظر أن تبدأ الدولة تنفيذ أولى مراحل التأمين الصحى الشامل خلال العام الجارى وستكون التجربة الأولى فى مدينة بورسعيد، وهو القانون الذى تعول عليه الدولة فى تحسين الخدمة الطبية لكل المصريين.
أما فيما يخص التعليم، فقد أوضح الرئيس السيسى فى يناير، أن منظومة التعليم فى مصر تضم ٢٢ مليون شخص، وفى دول العالم يتكلف الشخص الواحد ١٠ آلاف دولار سنويا، قائلا «لو فرضنا أننا سنصرف على الشخص الواحد ١٠ آلاف جنيه فقط، وليس دولارا فإننا نحتاج ٢٢٠ مليار جنيه، وهذا الرقم غير موجود».
أما فيما يتعلق بالبحث العلمى، فقد قال الرئيس فى كلمته بافتتاح المؤتمر القومى للبحث العلمى فى مارس الماضى، إن إجمالى الدعم الحكومى لمشروعات البحث العلمى ودعم الابتكار والمبتكرين يقترب من ٣ مليارات جنيه، ويشمل تطوير المعامل بـ٥٠٠ مليون جنيه، ودعم البحوث الأساسية بـ٥٤٠ مليون جنيه، ودعم المبتكرين والنشء وشباب الباحثين بـ١٠٠ مليون جنيه، لكن الأزمة أيضا فى توفير النسبة التى خصصها الدستور للبحث العلمى، والمقررة بـ١ فى المائة من الناتج القومى، ما يعادل ١٤ مليار جنيه وفقا لموازنة العام المالى المقبل التى أعلنت الحكومة أن حجم إنفاقها يبلغ تريليونا و٤٠٠ مليار جنيه.
التحدى الثانى الذى سيوليه الرئيس اهتماما كبيرا وينتظر فيه المواطنون نتائج إيجابية، هو ملف التصنيع المحلى، إذ ينتظر أن يشهد التصنيع المحلى قفزة كبيرة خلال السنوات المقبلة، خاصة بعد قرار تحرير سعر الصرف فى نوفمبر ٢٠١٦، وإقرار قانون الاستثمار الجديد وتفعيل منظومة مراكز خدمة المستثمرين، وإطلاق الحكومة للخريطة الاستثمارية لمصر..
ورغم أن هناك تفاؤلا كبيرا بتوفر البيئة المناسبة لإحداث نهضة صناعية فى مصر، إلا أن استمرار توقف ما يقرب من ٨٧٠ مصنعا وفقا لإحصاءات وزارة الصناعة، يشير لاستمرار مواجهة مجال التصنيع لأزمات مستمرة، فى حين دشنت الحكومة مؤخرا شركة مصر لرأس المال المخاطر، وهى عبارة عن صندوق تمويل للمصانع المتعثرة لإعادة تشغيلها مرة أخرى، ويساهم فى هذه الشركة مركز تحديث الصناعة، وشركة أيادى، وبنك الاستثمار القومى، وصندوق تحيا مصر، برأسمال ١٥٠ مليون جنيه، ويساهم فى رأسمال الصندوق مركز تحديث الصناعة بـ٣٠ مليون جنية وبنك الاستثمار القومى بـ٣٠ مليون جنيه، وشركة أيادى بـ٢٠ مليون جنيه، وصندوق تحيا مصر بـ٧٠ مليون جنيه.
ووفقا لبيانات الحكومة، فقد شهدت فاتورة استيراد السلع الاستراتيجية تراجعا خلال العام الماضى بنحو ٣ فى المائة، لتسجل ١٠.٦٢٨ مليار دولار مقابل ١٠.٩٦٢ مليار دولار خلال ٢٠١٦، فى حين ينتظر أن تحقق مصر طفرة صناعية من خلال الخريطة الاستثمارية لمصر التى تكشف حجم الفرص التى يمكن أن يعمل بها المستثمرون فى كل المجالات..
الرئيس يعلم جيدا أن الموطنين تحملوا كثيرا، واعدا إياهم بأن الفترة المقبلة تشهد تحسنا ملحوظا.
ويعلم تحمّل المصريين، بخاصة الفقراء والطبقة الوسطى فى صمت فاتورة خفض قيمة الجنيه والغلاء وراهنوا على المستقبل، وبالتالى صار من حقهم الشعور بالتحسن خلال العامين أو الثلاثة أعوام القادمة، وأعتقد أن هناك ما يشجع على توقع هذا التحسن فى ضوء تحسن مؤشرات الأداء الاقتصادى الكلى وانخفاض معدلات التضخم واتجاه البنك المركزى لخفض نسب الفائدة على الودائع تشجيعاً على الاستثمار.
الرئيس سوف يدعم العمل السياسى وتنشيطه من خلال توسيع المجال العام والسماح بالتعدد والتنوع فى الإعلام وإبداء قدر أكبر من التسامح مع الأصوات المعارضة فى الداخل، والبحث عن آليات جديدة لدعم الحياة الحزبية والحفاظ على استقلال وفاعلية المجتمع المدنى، ولا شك فى أن استعادة عافية الدولة ونجاحها فى مواجهة الإخوان وقرب حسم المعركة ضد الإرهاب، فضلاً عن تحسن الأوضاع الاقتصادية؛ ستساعد على استعادة التوازن بين متطلبات الأمن ومحاربة الإرهاب من جهة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان من جهة ثانية. ولا شك فى أن هذا التوازن من شأنه تحقيق الحكم الرشيد وتفعيل الرقابة المجتمعية. وفى هذا السياق، قد يكون من المناسب التفكير فى تشكيل حزب سياسى كبير داعم للرئيس السيسى والحكم.
تحدٍ أكثر أهمية هو تأمين حصة مصر السنوية من مياه النيل فى ظل استمرار التهديد الإثيوبى باستكمال بناء سد النهضة، والإسراع فى ملء خزان السد بما يسبب أضراراً بالغة بحقوق مصر فى مياه النيل والذى تعتمد عليه اعتماداً كاملاً فى شتى مناحى الحياة، ويقدر خبراء أن ملء خزان السد خلال ست سنوات كما تنوى إثيوبيا سيؤدى إلى خفض حصة مصر من مياه النيل بما يقدر بنحو ١٥ بليون متر مكعب، وقد اتبع الرئيس السيسى سياسة هادئة تقوم على الاعتراف بحقوق إثيوبيا فى التنمية مع ضرورة احترام حقوق مصر فى مياه النيل، والتى هى جزء من الأمن القومى..
ضرورة التصدى بحزم وبسرعة للتحديات التى تطرحها أوضاع التعليم والبحث العلمى والصحة فى المرحلة القادمة، وهى مشكلات موروثة وبالغة التعقيد، لكنها لم تشهد اختراقات مؤثرة فى الفترة الرئاسية الأولى كما حدث فى مجالات تحديث البنية التحتية والطاقة والإسكان والأمن القومى ومحاربة الإرهاب، لذلك لا بد من إعادة تخصيص الموارد المتاحة لحل مشكلات التعليم والصحة والبحث العلمى، لأن النجاح فيها يضمن النجاح فى تحقيق التنمية البشرية. وتعتبر الأخيرة أهم شروط نجاح التنمية والحفاظ عليها، من جانب آخر فإن التعليم الجيد سيدعم من جهود الدولة لمحاربة التطرف والغلو وتجديد الخطاب الإسلامي.
تحدى استعادة قوة السياحة المصرية والتى خسرت الكثير من قوتها وجاذبيتها بعد الثورة المصرية قبل سبع سنوات ما أدى إلى خسائر اقتصادية هائلة، والمفارقة أن مقومات السياحة على حالها ولم تتضرر، ولكن ما حدث أن الإساءة لسمعة مصر وتصويرها كبلد يعانى من الإرهاب بخاصة بعد حادث الطائرة الروسية أديا إلى تعثر خطط استعادة قوة السياحة المصرية، ومع ذلك، يمكن القول أن الحكومة وصناعة السياحة المصرية لم تتحركا بالصورة المطلوبة، وبالتالى لا بد من التركيز خلال هذا العام على تنفيذ إستراتيجية شاملة لاستعادة زخم السياحة، والتى حققت لمصر عام ٢٠١٠ دخلاً بقيمة ١٢.٥ مليار دولار، شكلت ١١.٣ فى المئة من الناتج الإجمالى، بينما حققت ٧.٦ مليار دولار فقط عام ٢٠١٧.
وأيضا تحدى تحسين ملف حقوق الإنسان، هكذا تبدو التحديات مترابطة؛ فسمعة مصر وصورتها فى العالم وأمنها واستقرارها، عوامل تؤثر فى مصير السياسة والاستثمار والسياحة، وما قد يطرأ عليها من تغيرات على علاقة الحكومة بالشعب.
وفى النهاية الولاية الثانية للرئيس السيسى ستكون صعبة بالفعل، وهذه التحديات لا تخفى عن الرئيس السيسى، فهى حاضرة فى خطابه أمام البرلمان بعد غد. خاصة أن المناخ الدولى أصعب، والتغيرات التى تدور فى الخارج تقول ذلك، وهو ما ستكون له انعكاسات على مصر من التطورات التى تحدث على المجتمع الدولى، الأمر الذى يستوجب الاصطفاف الوطنى.