الأهرام
عطية عيسوى
بدون توقيع!
بالرغم من أنه يتضمن إجراءات وتواريخ محددة لتنفيذ خطة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مسبوقة باتخاذ إجراءات دستورية وقانونية وجهود جادة لتوفير المناخ الأمنى اللازم لانتشال ليبيا من حالة الفوضى والانقسام التى تعانيها إلاَّ أن عدم توقيع القادة الليبيين على ما وصفه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بالاتفاق التاريخى الذى توصلوا إليه خلال اجتماعهم بمبادرة منه واكتفائهم بإعلان التزامهم شفهياً بتنفيذه لا يمكن تفسيره إلاَّ بأنه هروب مما ألزموا به أنفسهم، وبالتالى لاجديد سوى اجتماع السراج وحفتر وصالح والمشرى معاً للمرة الأولى.وإن دلَّ ذلك على شىء فإنما يدل على استمرار انعدام الثقة بينهم وعدم تراجعهم عن مواقفهم وتصوراتهم للحل وفقا لمصالحهم ومصالح قبائلهم ومَن يدعمونهم من القبائل الأخرى مما يرجَّح عدم الالتزام بتنفيذ الاتفاق أو أى اتفاق مشابه مستقبلا.

ولو كان القادة الأربعة الذين وقفوا عابسى الوجوه وكأنهم يقرءون الفاتحة على روح الإتفاق الوليد جادين فعلا فى السعى لحل الأزمة لأيقنوا أن التوصل إلى اتفاق يقتضى التقاء الخصوم فى منتصف الطريق،أى أن يتنازل كل منهم عن بعض مطالبه وهو ما لم يفعلوه لأنهم سلبوا بالشمال ما قدَّموه باليمين بعدم توقيعهم على ما اتفقوا عليه حتى لا يلزموا أنفسهم بتنفيذه واكتفوا بتعهدات شفوية.ولو كانت نياتهم خالصة لبذلوا جهودا لإقناع أتباعهم الذين تذرعوا بحاجتهم للتشاور معهم قبل التوقيعت وشرعوا فى اتخاذ إجراءات أولية،كل فيما يخصه،لإعادة بناء الثقة وإظهار الجدية والرغبة فى الحل مثل توحيد البنك المركزى والسماح له بالعمل من العاصمة طرابلس ونقل مقر البرلمان المعترف به دوليا من طبرق إلى بنغازى حسبما يقضى الإعلان الدستورى المؤقت وإقرار صيغة الدستور الدائم الجديد من جانب البرلمان وتعديل القوانين الخاصة بإجراء الانتخابات كبادرة حُسن نية وأن يتوقف كل طرف عن محاولة إقصاء الآخر وعن تبادل الاتهامات والتهديدات.

الاتفاق ينص على التزام خليفة حفتر قائد الجيش الوطنى وفايز السراج رئيس المجلس الرئاسى وعقيلة صالح رئيس البرلمان الشرعى وخالد المشرى رئيس المجلس الأعلى للدولة بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية يوم 10 ديسمبر المقبل وبنتائجها ومحاسبة كل مَن يحاول عرقلتها وإصدار قانون الانتخابات واعتماده من البرلمان بحلول 16 سبتمبر بالتنسيق مع المجلس الأعلى للدولة وأن تتعاون القوى الأمنية على ضمان سلامة العملية الانتخابية ومحاسبة أية جماعة تحاول عرقلة الاقتراع.كما يتضمن أن يعملوا على إنهاء حالة الانقسام القائمة وعلى نقل البرلمان إلى بنغازى وإلغاء الحكومات الموازية (حكومة السنى فى الشرق وحكومة الغويل فى الغرب) تدريجيا وأن يتعاون البرلمان ومجلس الدولة على توحيد المؤسسات السيادية وإقامة مؤسسات عسكرية وأمنية موحدة ومحترفة خاضعة للمحاسبة وتشجيع مباحثات القاهرة لتوحيد المؤسسة العسكرية.ويطالب أيضا بعقد مؤتمر سياسى جامع تحت رعاية الأمم المتحدة للاتفاق على تنفيذ ما سبق الاتفاق عليه مع الحرص على الإلتزام بالجدول الزمنى والشروط التى يحددها المبعوث الدولى غسان سلامه وبأن يقف المجتمع الدولى صفا واحدا لدعم الليبيين الذين يعملون بشكل بناء مع الأمم المتحدة لإجراء انتخابات آمنة وسليمة وذات مصداقية.

كل ذلك يُحيى الأمل فى إنهاء مأساة الشعب الليبى لو تم الوفاء به، لكن تساؤلات عديدة بخلاف التهرب من التوقيع على الإتفاق تُثار حول فرصة نجاحه من بينها:مَن الذى باستطاعته أن يحاسب أولئك الذين سيعرقلون تنفيذه وسط الانقسام القائم؟ فهناك قوات حفتر وعشرات الميليشيات وثلاث حكومات وبرلمانان ومجلس أعلى للرئاسة ومجلس أعلى للدولة، ومَن الذى يمكنه إلغاء الحكومات والمؤسسات الموازية إلاَّ باتفاق مازال مثل لبن العصفور لا وجود له؟، ومَن الذى يستطيع إجبار الميليشيات القبلية على الإلتزام بالإتفاق أو الميليشيات المتطرفة والجماعات الإرهابية التى ستبذل ما فى وسعها لمنع قيام دولة موحدة ونظام حكم قوى ينهى الفوضى والانقسام اللذين يتيحان لها تنفيذ مخططها لإقامة إمارة إسلامية فى ليبيا وشن هجمات إرهابية على دول الجوار انطلاقا من أراضيها؟.كما أن الخلافات حول مَن يتولى المناصب العسكرية والأمنية العليا حالت حتى الآن دون توحيد مؤسستى الجيش والشرطة.أما وقوف القوى الدولية والإقليمية صفا واحدا بجانب الليبيين الذين يتعاونون مع الأمم المتحدة لتنفيذ اتفاق باريس فأقل ما يمكن أن يُقال بشأنه إنه غير مضمون فى ضوء مساندة أطراف إقليمية ودعمها أطرافا ليبية بعينها حفاظا على مصالحها وسلامة أراضيها ودعم دول أخرى مثل تركيا وقطر جماعات الإسلام السياسى والمتطرفة والإرهابية إن لم يكن لإقامة إمارة إسلامية على أراضى ليبيا فعلى الأقل لمنع العلمانيين من الانفراد بالسلطة حتى لا يهددوا مصالحها الاقتصادية أو يحرموها من نيل جزء من كعكة إعادة اعمار ما خربته الحرب وهى بمليارات الدولارات.وأخيرا لم تتحمس الولايات المتحدة لمبادرة فرنسا واشتكت إيطاليا مستعمِرة ليبيا السابقة من تهميش دورها ومن غير المستبعد أن تلعبا دورا لعرقلة تنفيذه لمنع باريس من الانفراد بشرف الذى نجح فى حل أزمة مستعصية والفوز بكعكة إعادة الاعمار واستغلال الثروات فى بلد غنى بالبترول ولم تبُح أرضه بكل مكنوناتها بعد.ومع ذلك لا يعلم المستقبل إلاَّ الله وحده.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف