الأهرام
يوسف القعيد
تحديات الولاية الثانية
لأسباب تاريخية وآنية أعيش دائماً وأبداً حالة من الضعف الوجدانى اللذيذ أمام ما يصدره مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. تصلنى بعض مطبوعاته فأشعر بحالة من الفرح. يحدث هذا لى منذ أن قرر الأستاذ محمد حسنين هيكل، إنشاء المركز الذى اعتبرته - وما زلت - ضميراً بحثياً ومعرفياً من الضمائر التى تحتاجها مصر كثيراً هذه الأيام.

الملف المصري، دورية شهرية يصدرها المركز الذى يرأسه الصديق القديم الدكتور وحيد عبد المجيد. وترأس تحرير الملف الدكتورة دينا شحاتة. وتدير تحريره الدكتورة إيمان رجب. العدد الأخير منه الذى يحمل رقم 45 مايو 2018، يدور حول قضية أولويات الفترة الرئاسية الثانية.

فترة رئاسية جديدة؟! أعتقد أنه موضوع شديد الأهمية، خصوصاً بعد أن أدى الرئيس عبد الفتاح السيسى اليمين الدستورية أمام مجلس النواب. حيث استهل الدكتور على عبد العال الجلسة بخطاب ترحيبي. ثم أقسم الرئيس ووجه كلمة إلى الأمة. إنها المرة الأولى منذ 13 عاماً، حسب ما تقول لنا كتب التاريخ التى نعيش ما عشناه، ونرى ما رأيناه أمس الأول يوم السبت. يكتب محمد العربي. باحث فى الشئون الدولية عن الأمن القومى المصري: إعادة نظر فى التحديات والاستجابات. ويركز على أن المهمة كانت فى الفترة من 14 ـ 18 استعادة الدولة. ويتحدث عن أولويات داخلية فى الولاية الثانية:

- إعادة إدماج سكان سيناء داخل جسد الدولة والمجتمع. التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومكافحة شبكات التهريب والإرهاب هناك. ويتطرق لهمومنا اليومية مثل تراجع موارد المياه، ودخول مصر مرحلة الفقر المائي، وتآكل البيئة، ومعضلة الإصلاح الاقتصادى والعدالة الاجتماعية. يكتب حسين سليمان عن التحديات الاقتصادية فى فترة السيسى الثانية. ويلاحظ أن الانتخابات الرئاسية خلت من وجود برامج انتخابية. لكن الولاية الثانية تواجهها تحديات كلية متعلقة بالمؤشرات الرئيسية للاقتصاد المصري. خصوصاً مع تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.

يتوقف أمام التأثير الاجتماعى السلبى لزيادة الفقر وعدم المساواة. لأن هذه التغيرات تحمل نتائج اقتصادية سلبية غير مباشرة. قد تؤثر على عدم الاستقرار الاجتماعى والسياسي. خصوصاً أن الدور المباشر للدولة فى الاقتصاد قد يتراجع كنتيجة للإصلاح الاقتصادي. ليحل محله القطاع الخاص لدفع الاستثمار والتشغيل والنمو. ولذلك لا بد على الدولة أن تتحمل دورها غير المباشر كمنظم ومراقب للأسعار.

أعترف بأن ما حفزنى للكتابة أساساً الدراسة المطوَّلة التى قدمتها سالى محمود عاشور، مدرس العلوم السياسية بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، وعنوانها: التحديات الاجتماعية والثقافية فى الولاية الثانية. وقد دُهشت ولم أصدق نفسى عند قراءة الدراسة من المساحة الضئيلة التى منحتها للثقافة. ليست لديَّ وسيلة لكى أعد الكلمات. لكن الاستعراض يكفي. فقد بدأت بإدارة ملف الحماية الاجتماعية للفئات الفقيرة والهشة. ثم تناولت عمل منظمات العمل الأهلي. وتوقفت أمام الزيادة السكانية والسياسات السكانية. بل إن موضوعاً عن الطلاق والتفكك الأسري. نال اهتماماً منها. ثم توقفت أمام منظومتى الصحة والتعليم فى مقدمة عامة وتناول خاص لكل قضية منهما. فى ثلاثة مقاطع أخيرة وصغيرة تناولت التحديات الثقافية. وغضبى سببه أن التحدى الثقافى كان يستلزم بحثاً مستقلاً. صحيح أنه لا يقل أهمية عن الصحة والتعليم. لكن تهميش الثقافة سواء فى برنامج الحكومة الذى عرض علينا فى البرلمان. أو النظرة العامة للثقافة على أنها ربما وسيلة تسلية أو شكل من أشكال الكماليات.

تلاحظ على الواقع الثقافى المصرى عدم قيام المؤسسات الثقافية بالدور المنوط بها. والغياب التام للمؤسسات الثقافية عن تنمية ورفع ثقافة المواطنين. وخاصة الشباب والنشء. هل يختلف اثنان على أن السينما ضحية من ضحايا الوضع الثقافى المصرى الآن؟ إنها لا تنال من الباحثة سوى هذه العبارات: -والسينما هى الرافد الأساسى للثقافة لدى النشء والشباب. وما نراه فى الإعلام من مشاهد العنف والتحدي، الإدمان، الخمور، الإنفلات الأخلاقى والإغراء سبباً رئيساً فى اكتشاف الشباب والنشء وحتى الكبار فى كثير من الأحيان قيماً ثقافية هى فى كثير من الأحيان خارجة عن التقاليد والأداب وغير مقيدة بالروابط الاجتماعية التقليدية من أسرة أو مدرسة.

وتنتقل فى هذه العجالة التى لا تتناسب مع أهمية الثقافة وخطورة دورها. ونحن نعيد بناء حياتنا الآن إلى انتشار بعض القيم الثقافية السلبية حول قضايا أساسية مثل التعليم الفنى والمهنى والوظائف المهنية والترويج لفكرة العمل المكتبي، واستمرار ثقافة العمل الحكومي، والنظر بدونية لبعض المهن، وتفضيل البطالة والتردد على المقاهى عن امتهان بعضها. لا تنسى أن تتحدث عن ظهور الأفكار المتطرفة دينية أو اجتماعية. والتى عادة ما تكون من مدخل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. والتى تقدم حلولاً متطرفة لتلك المشكلات. بالحث على النزوع إلى العنف والتصرفات الحادة وازدياد ثقافة اللامبالاة والاستسهال والفهلوة. والهروب باستخدام المخدرات والمسكرات.

وفى الفقرة الأخيرة:- يتوجب على الدولة أن تولى اهتماماً أكبر بالمؤسسات الثقافية (مثل قصور الثقافة) برفع كفاءة العاملين بها والتركيز على المخرجات الثقافية وإبعادها عن التعقيدات البيروقراطية. وإعادة فكرة المكتبات المتنقلة ودعم أسعار الكتب. إضافة إلى ضرورة إيجاد آليات وحلول للتعامل مع المحتويات المسفة والهابطة للقنوات التليفزيونية. لولا ضيق المساحة لتوقفت طويلاً أمام بحث تطوير مؤسسات الإعلام فى الولاية الثانية، الذى كتبه الدكتور محمد عز العرب. وكذلك ملف متطلبات ملف الشباب فى الولاية الثانية للرئيس السيسي، لإيمان موسي. فما زلت شديد الإيمان بشعار الستينيات الجميل، الذى كان يقول إن الشباب نصف الحاضر وكل المستقبل.

أعود مرة أخرى لموضوع الثقافة فى الولاية الثانية. ومع اعترافى أن الفقرات الثلاث التى خصصتها الباحثة للثقافة كانت مركزة. وحاولت الإحاطة بأبعاد المشكلة. لكنها لم تذهب إلى جوهر الأمر. ألا وهو النظر إلى الثقافة على أنها رفاهية. وعدم اعتبارها السلاح الأول فى حروبنا ضد الإرهاب. فالتطرف يبدأ فى العقل. ولا بد أن تبدأ مواجهته داخل العقل. ثم تأتى بعد ذلك كل المحاولات الأخري. التى يجب أن يكون آخرها اللجوء إلى السلاح.

قالوا: لو كان شكسبير حياً إلى اليوم لتحول إلى كتابة المسلسلات التليفزيونية. ميلان كونديرا

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف