جلال عارف
في الصميم .. رمضان كريم وجميل «١٥» ع الأصل دوّر !
كان رمضان في »الحسين» هو التعبير الجميل عن شعب اختزن حكمة التاريخ وامتلك الحس الإنساني بأرقي معانيه. كان رمضان في »الحسين» يجسد القدرة الفطرية علي الجمع بين الدين والدنيا في أبدع صورة. أن تكون عبادة الله عز وجل، فعل حب قبل أن تكون فعل هدف. أن تتحول مشقة الصيام إلي مهرجان للفرح. أن يجعلنا الدين أكثر احتفاء بالحياة، وأن يكون كل جميل نضيفه للدنيا وسيلة لمرضاة الله في ليالي »الحسين» الرمضانية كان هناك موعد يومي مع كبار المنشدين وأعلام التلاوة القرآنية في السرادق الرسمي الذي يملأ ساحة الميدان. ثم كان الموعد في الفجر مع الابتهالات من مئذنة الحسين التي كانت في فترة سابقة تصدح بصوت سيد المنشدين الشيخ علي محمود، ثم توالي عليها كبار المنشدين .
وما بين موعد السرادق وصلاة الفجر، كان نجوم الفن الشعبي يملأون الليالي الجميلة بالبهجة، كان العديد من المقاهي يستضيف فرقاً صغيرة تقدم الأغنيات الدينية والشعبية. أما النجوم الكبار فقد كانت لهم سرادقات كبيرة تحتشد بالجماهير. وكان الأشهر هم: أبودراع، ومحمد طه، الريس حفني. ورغم أنهم كانوا يقدمون نفس اللون الغنائي، إلا أن كلا منهم كان له طابعه الخاص.
كان »أبودراع» هو الأذكي، وكان متابعاً للأحداث، وكانت قدرته كبيرة علي الارتجال الفوري. وكان يملك القدرة علي إرضاء أذواق الجميع وتقديم ما يناسبهم .
أما محمد طه فكان صاحب الصوت الذي أوصله للإذاعة والسينما وجعل منه نجماً في »أضواء المدينة». لكن قدرته علي إبداع الجديد لم تكن كبيرة. ومع ذلك يظل حاضراً مع »مسا الجمال والدلال» الذي لا يغيب عن القاهرة .
الريس حفني كان الأقرب إلي القلب. كان يجمع بين الذكاء الفني والقدرة الفائقة علي الإبداع في الكلمات التي ينشدها بلهجته الصعيدية الجميلة. لم يكن ينشد بالطبع الملاحم الطويلة التي اشتهر بها مثل »شفيقة ومتولي» لكن مواويله كانت الأرقي والأجمل.. ومازالت رغم رحيله المبكر .
وازدادت الليالي ثراء مع مجيء عمنا زكريا الحجاوي ونجوم الفرقة التي أشرف عليها وفي المقدمة المطربة خضرة. وتركت التجربة سرادقاً كبيراً ودائما لوزارة الثقافة يوفر الفن الشعبي مجاناً في ليالي رمضان .
أجمل ما في القاهرة أنها قادرة أن تصوم وتصلي، وأن تقاتل وتنتصر، وأن تبتهج بالحياة. رمضان كريم .