عبد الله البقالى
حينما تتحدث السيدة لاجارد بسطحية
حديث الأسبوع
أن السياسة التي اعتمدها صندوق النقد الدولي الذي ترأسه لاجارد حاليا، كانت المنهجية التي صرفت من خلالها القوي الاقتصادية المهيمنة علي مصادر الثراء والإنتاج في العالم سياساتها تجاه جزء كبير جدا من خريطة العالم، ولعلها تذكر في هذا الصدد أن المعالم الرئيسية لهذه السياسات اتضحت بجلاء أكثر من الماضي مع انهيار سور برلين وبروز المفهوم الجديد لما سمي بالعولمة الليبرالية، وانتهزت القوي الاقتصادية المتحكمة في لوحة سياقة ركب الاقتصاد العالمي الفرصة لإخضاع كثير من الدول ذات الدخل المتدني والمتوسط عبر صندوق النقد الدولي إلي ما عرف آنذاك بـ »برامج التقويم الهيكلي»، حيث فرضت علي الدول الراغبة في الاستدانة من صندوق النقد الدولي عدم الاستثمار في القطاعات الاجتماعية، بل وإلغاء المجانية في الاستفادة من خدمات هذه القطاعات كالصحة والتعليم، كما فرض عليها التخفيض من عملاتها الوطنية مما زاد من معدلات التضخم وساهم في استفحال العجوزات في مختلف القطاعات الاجتماعية، وقفزت معدلات البطالة إلي مستويات خيالية، وتراجعت الاستثمارات الخاصة التي لم تكن مستعدة للمغامرة برؤوس أموالها في دول أصبح الاستقرار فيها مهددا بشكل غير مسبوق. وأضحي واضحا في ضوء كل ذلك أن آلية الاستدانة من المؤسسات المالية الكبري تحولت إلي وسيلة للإخضاع، وسبيلا ناجعا للتحكم المطلق في الرأسمال علي الصعيد العالمي بما يتيح توجيه وضبط السياسات العمومية الدولية، وتنظيم العلاقات الدولية علي أساس اعتبارات وخلفيات اقتصادية وسياسية صرفة. وكاد يصبح مسلما به أن هذا النمط من تدبير العلاقات الاقتصادية الدولية والتحكم في مصادر الثراء العالمي أضحي قضاء وقدرا، وأن له صفة حتمية، بالنظر إلي الجهود الجبارة التي تفرضها القوي العظمي لتثبيت استمرار هذا الوضع، وبالنظر أيضا إلي ضآلة إمكانيات وفرص تغيير الواقع السائد في اتجاه التحسين والتجويد، وضعف قدرات ومؤهلات الدول والفئات المتضررة من هذه التحولات البنيوية في الاقتصاد العالمي، والتي صارت نظاما اقتصاديا عالميا جديدا يقبض به الأقوياء علي حساب الضعفاء.
لذلك كله، ليس من السهل هضم التحليل التقني الصرف الذي أتحفتنا به السيدة كريستين لاجارد في حوارها الصحافي، فيما يتعلق بقضية الارتفاع المهول والمخيف للقروض الخارجية علي المستوي العالمي، لأن هناك تحليلا آخر سياسيا هذه المرة يرتب نتائج مخالفة تحرق أصابع السيدة كريستين نفسها.
• نقيب الصحفيين المغاربة