كرم جبر
إنها مصر - نظرة علي الخطر !
إنها مصر
بدأت الحرب عندما أمر أسقف براغ »الكاثوليكي»بحرق كنيسة »بروتستانتية»، ولجأ البروتستانت إلي الإمبراطور »ماتياس» الذي تجاهل شكواهم، فقرروا أن يردوا بالمثل، وبدأوا بما عُرف بعقوبة »الرمي من النوافذ العالية» للمخالفين في المذهب والرأي.
لم تتعاف أوروبا، ولم يجفف مستنقعات الدم إلا الفصل بين رجال الدين ومقاعد السلطة، وتمهيد الطريق إلي ديمقراطية نظيفة، لا يحتكر مفاتيحها الكهنة والرهبان الذين يزعمون أنهم يتلقون أسرارها من السماء، فعندما تختلط السلطة بالدين تفسد السلطة، وتنحرف الأديان عن رسالتها السامية التي تستهدف إسعاد البشر ونشر المحبة.
أوروبا استوعبت دروس الحروب الدينية،عندما اشتعلت حرب الثلاثين عاما بين الكاثوليك والبروتستانت في ألمانيا في القرن السابع عشر، فقضت علي ثلث السكان، وسقط نحو سبعة ملايين ونصف المليون قتيل من إجمالي سكان ألمانيا الذي بلغ عشرين مليونا، وهبط عدد الذكور إلي النصف،مما اضطر القساوسة الذين أشعلوا الصراع أن يسمحوا بتعدد الزوجات، بعد أن ارتوت الأرض بالدماء، ودمرت مدنا وقري بأكملها، ووصلت البشاعة إلي حد اغتصاب الرهبان الذكور في ساحات الكنائس، وتحت صور وتماثيل السيد المسيح والعذراء، وكان السبب هو العداء المتأصل بين الألمان الكاثوليك والألمان البروتستانت، لخرق الطرفين اتفاق »أوسبرج» لتسوية الخلافات التي بدأت دينية ثم تحولت إلي صراع سياسي.
لا نريد لمصر ان تنسي الدروس، وهي الآن في مرحلة اعادة تشكيل الحياة السياسية، ودمج الاحزاب في كيانات كبيرة، قادرة علي الصمود والاستمرار. وأقصر طريق هو تفعيل مواد الدستور التي تحظر قيام الأحزاب الدينية، بعد أن تفشت مساوئها في حكم الاخوان، وقدمت نموذجا فاشيا إقصائيا، فتح الجراح واستحضر الفتن وكاد يمزق النسيج الوطني، ووضع المصريين لأول مرة في تاريخهم وجها لوجه، وكأنهم أعداء أشرار وليسوا أبناء وطن واحد، دافعوا عن ترابه الوطني بدمائهم الزكية ضد العدو الحقيقي.
خلط الدين بالسياسة، يسيئ إلي الاديان ويفسد السياسة، وتعاني المجتمعات العربية من اصرار التيارات المتطرفة علي احتكار السلطة بتفويض من السماء، فتركوا الدعوة وتفرغوا للكراسي، والحروب والصراعات والقتل واراقة الدماء،ونصّبوا أنفسهم أوصياء علي البلاد والعباد، وفسروا القرآن الكريم والسنة النبوية بما يخدم أطماعهم السياسية.
لا يستطيع أحد أن يزايد علي المصريين في تدينهم، وفي الاقتداء بالشريعة الإسلامية في مناحي الحياة وقوانين الدولة وتشريعاتها، وهذا هو معني أن الإسلام دين ودولة، أما أن يتسلل المتطرفون تحت عباءة الدعوة،ليحكموا بأنفسهم ويوظفوا الإسلام لاقتناص السلطة، فهذا هو مكمن الخراب، ويتناقض مع مبدأ المساواة بين المصريين، لأن تيارات معينة تحتكر الدين وتستحوذ علي الحكم، فتكون النتيجة هي الفتاوي العنيفة والدموية التي تستبيح القتل والتكفير، وتقسيم أبناء الوطن الواحد إلي مؤمنين وروابضة ومسلمين وكفاراً كما فعلها الاخوان.
تجارب المسلمين تنزف دما بسبب هذه الفتن الدينية، التي بدأت شرارتها الأولي عندما شج السفاح »ابن ملجم» رأس الإمام علي كرّم الله وجهه في صلاة الفجر، صارخاً فيه »الملك لله وليس لك يا علي»، ومازالت دماء الإمام الشهيد ساخنة حتي الآن، في العراق وسوريا واليمن وكثير من البلدان، بعد أن أُريقت علي سيوف الصراع بين الولاية والملك.
الإخوان الذين وصلوا للحكم فوق عربة الديمقراطية، حاولوا حرقها بمن فيها بعد أن قفزوا منها، وأشاعوا في قلوب وعقول المصريين ممارسات السيف والجلاد في عصور التخلف والرجعية، فثاروا عليهم وانقذوا وطنهم، قبل أن يدخل نفقا مظلما لا خروج منه ولا فرار، وأصبح طريقهم الآمن إلي المستقبل هو درء المخاطر، وأن ينضوي جميع المصريين، تحت مظلة الدولة الوطنية القوية التي تحقق العدل والمساواة لجميع ابنائها.