هانى عسل
مصر «المنسية» فى دعاء القنوت
«اللهم انصر إخواننا المستضعفين فى فلسطين» .. «اللهم انصر إخواننا المجاهدين فى سوريا» .. «اللهم انصر إخواننا المضطهدين فى بورما»، بس خلاص، وانتهى الدعاء، والسلام عليكم، ورمضان كريم، وكل عام وأنتم بخير!
طيب، إخواننا فى فلسطين وسوريا وبورما على العين والراس، ولكن، ماذا عن «إخواننا» فى مصر؟!
ماذا عن الشعب المصرى الشقيق الذى يعيش ضيفا على بلده؟ ماذا عن شهداء مصر من الجيش والشرطة والمدنيين؟ هل الدعاء لهم حرام؟ «هية مصر دى مالهاش أهل يسألوا عليها»؟!
للأسف الشديد، هذه هى نوعية ما يردده الأئمة فى دعاء القنوت بمساجد مصر طوال شهر رمضان، وربما تسمعون ما هو أعجب من ذلك فيما تبقى من العشر الأواخر من الشهر.
الشكوى نفسها سمعتها من أكثر من صديق، وعن أكثر من مسجد. أحدهم قال إن مصر منسية تماما فى «القنوت»، وآخر قال إن تجاهل مصر فى الدعاء مقصود ومستفز، وثالث قال إن الدعاء «الديفولت» الآن هو :«اللهم احقن دماء المصريين»، على أساس أن المصريين يقتتلون، وأننا على الحياد بين الدولة والإرهابي!
.. أى تهريج هذا؟
أين مصر فى دعاء القنوت؟ أين حربنا على الإرهاب؟ أين حرب البقاء التي نخوضها؟ أين مشكلاتنا وقضايانا؟
لماذا لا نرتقى بالخطاب الدينى فى القنوت وعلى المنابر ونذهب به إلى ما هو أبعد وأرقى من هذه الرسائل السياسية المشبوهة والمشوهة؟
لماذا يريد البعض فرض إسلام علينا لا يتعدى الخرافات والتكشيرة والجلابية والطاقية واللحية والسواك و«جزاك الله كل خير» و«بارك الله فيك» ورفع الميكروفونات؟ ماذا عن الأخلاق والمعاملات؟
أين المسجد من تاجر يتلاعب فى أسعار السلع، وآخر يتهرب من الضرائب، وثالث يحتل رصيف المشاة، ورابع يسرق كهرباء الشارع؟
أين المسجد من سائق يسب ويشتم، وآخر يكسر العداد، وثالث يكسر إشارات المرور، ورابع يسير عكس الاتجاه، وخامس يعطل الطريق من خلفه ويقف فى الممنوع؟
أين المسجد من موظف «مزوغاتي»، وآخر مرتش، وثالث دُرجه مفتوح، ورابع يتقاضى راتبا وحوافز بالآلاف ولا يعمل؟
أين المسجد من قاطع رحم وعاق لوالديه ومؤذ لجيرانه؟ ورجل غير بار بأهله وامرأة لا تتقى الله فى زوجها وبيتها؟
أين المسجد من صنايعى «نصاب»، ومهندس «بلا ضمير»، وطبيب كشفه 300 جنيه، ومدرس يتربح من «السناتر»، وطالب غشاش، وشاب يشتم ويسب الدين؟
أين المسجد من هواة «الشحاتة»، وادعاء الفقر، وشتم ولعن الوطن ونهبه وابتزازه باسم «الدعم»؟
ألا يعد الدعاء لهؤلاء بـ«الهداية» أجدى وأولى؟
لماذا لا يقدم المسجد لرواده فى رمضان أى رسائل سوى تكفير التليفزيون والمسلسلات وماتشات الكورة، والسخرية من امتلاء المساجد فى رمضان وهجرانها فى غير رمضان؟!
أين التفسيرات العصرية للقرآن والسنة، وأين قصص الأنبياء وسير الصحابة والتابعين؟
أين الخطب التعليمية التثقيفية التى تشرح للناس حقيقة وخلفيات القضايا العالمية، وتفاصيل ما يجرى فى فلسطين وسوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا، بدلا من حكاية «إخواننا المجاهدين» هذه؟
اشرحوا للناس معنى «الدين المعاملة»، ومعنى «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
في السياسة، قولوا لهم : «رب اجعل هذا بلدا آمنا»، «واعتصموا بحبل الله»، «خيركم خيركم لأهله»، «والفتنة أشد من القتل».
اقتصاديا، نبهوهم لقيمة العمل، وانصحوهم: «كلوا واشربوا ولا تسرفوا»، «واصبر على ما أصابك»، «ولا تعتدوا»، «ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل»، ويا حبذا لو «لا يسألون الناس إلحافا».
أخلاقيا، علموهم :«ويل لكل همزة لمزة»، «لا يسخر قوم من قوم»، «ولا تنابزوا بالألقاب»، و«ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء»، و«إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا».
سلوكيا، ذكروهم بغض البصر، وبـ«خذوا زينتكم»، و«إماطة الأذى»، و«فاعطوا الطريق حقه»، و«كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه».
نفسيا، حذروهم من خطورة الحقد والحسد، لأن «من راقب الناس مات هما» .. قولوا أى شيء!
وبعيدا عن الوعظ، أضعف الإيمان هذه الأيام هو الدعاء لمصر وجيشها وشرطتها وشهدائها ورئيسها، بدلا من الأدعية الهستيرية التى تمتد لنصف الساعة، وبدلا من الأدعية «الملتوية» إياها، وبدلا من الدعاء لـ«الجيران» وجيران الجيران، على مذهب الإمام أبو تريكة!
نريد أن نسمع اسم «مصر» فى دعاء القنوات واضحا مجلجلا.
ادعوا لمصر، ولو بـ«دعوة واحدة»، حتى وإن كان الدعاء «اللهم انصر إخواننا المصريين المستضعفين فى مصر»!