محمد شعير
المسلسلات والإعلانات.. أرقامٌ وتحليلات
لسنا تافهين أو عاطلين حتى نقضى ساعات من وقتنا الثمين، أمام شاشات الفضائيات فى متابعة الإعلانات، لمجرد أننا أردنا أن نشاهد فنا محترما فى بعض المسلسلات.
كتبت هنا قبل أسبوعين، يوم الأربعاء 23 مايو، مقالا بعنوان «حملة مقاطعة الفضائيات فى رمضان»، قلت فيه إن هناك 3 أطراف فى المعادلة تخرج جميعها رابحة ماديا، وهي: الفنانون والفضائيات والمعلنون، فيما عدا طرف رابع، رئيسي، هو جمهور المشاهدين، يخرج خاسرا، دون الحصول على ما يريد، وهو المشاهدة وحسب. لذلك دعوت إلى مقاطعة الفضائيات، والاكتفاء بمشاهدة المسلسلات على الإنترنت، لإعادة صياغة معادلة الربح والخسارة. ولأن الأوضاع فاقت الحدود والاحتمال؛ فقد كتب كثيرون فى الموضوع، قبل مقالى وبعده، وتلقيت رسائل وتعليقات، وجرت حوارات وتحليلات، بالأرقام والمعلومات، سنظل لها متابعين.
الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء الأسبق، أحد المهتمين بدور الفن والقوة الناعمة لمصر، ويتحدث عن ذلك دومًا فى محاضراته التى يلقيها تحت عنوان «المستقبل ورنين الوطن»، وقد كتب لى -مشكورا- مشيدا بالمقال السابق، وقائلا: «المشكلة العظمى هى هذا التسلل اللئيم الذى بدأ منذ سنوات مستهدفا الوعى الجمعي، لتفكيك الروابط والضوابط الأصيلة فى المجتمع المصري، حيث تحول الإعلام إلى إعلان، والسمو بالوعى الجمعى إلى تدميره «بحرفية بالغة».
الدكتور محمد المرسى أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، كتب على صفحته فى «فيسبوك» بمنطق مختلف عما كتبت، قائلا: «الكل خاسر فى مهزلة إعلانات رمضان»، وهذا ملخص فكرته: «يخطئ من يظن أنه رابح من التغول المقيت - غير المقبول بأى مبرر- لهذا الكم من الإعلانات على الأعمال الدرامية؛ القناة - رغم الربح المؤقت من الإعلانات- تخسر مصداقيتها بعدم احترامها مشاهديها وتحول غالبيتهم إلى «يوتيوب»، والشركات المعلنة خاسرة بعدم تحقيق الهدف من إعلاناتها لتسويق منتجاتها، فالمشاهد بمجرد بدء الإعلانات يقوم بتغيير القناة أو ينشغل بأمور أخرى ثم يعود بعد انتهائها، وصناع الدراما خاسرون بتهلهل أعمالهم والاستهتار بها وضعف التواصل معها بفعل القطع المتكرر لها» وهكذا فإن ما اعتبرتُه فى مقالى ربحا ماديا حاليا مؤقتا، رآه الدكتور المرسى خسارة مؤكدة مقبلة، ولو بعد حين، ولا خلاف بين المنطقين.
الكاتب الصحفى جلال نصار رئيس تحرير «الأهرام ويكلي» السابق، كتب على «فيسبوك» عن القواعد التى تحكم الإعلان فى أمريكا، حيث ذكر أن المادة 14 من قانون التليفزيون تنص على أن المساحة الإعلانية لا تتجاوز 9 دقائق ونصف الدقيقة كل ساعة فى أوقات الذروة، ويمكن أن تزيد فى الأوقات العادية بحد أقصى 16 دقيقة. (لاحظ أن القانون انحاز خلال فترات ذروة المشاهدة للمواد الإعلامية لا الإعلانية بعكس المتوقع). أما عدد الوقفات الإعلانية «الفواصل» فالحد الأقصى لها هو 4 وقفات فى الساعة، وبذلك فإن الفاصل لن يتجاوز أبدا مدة 4 دقائق. والمدد الإعلانية فى الشبكات الكبرى كالتالي: 15 دقيقة ونصف الدقيقة كل ساعة فى شبكة «إيه بى سي»، و10 دقائق بشبكة «إن بى سي»، و10 دقائق وثلث الدقيقة بشبكة «سي. بى . إس»!. والآن.. لنا أن نسأل؛ لماذا نحن بعيدون عن كل هذا التنظيم؟!.
خبير الإعلان الكبير طارق نور قدّم الإجابة، مستعرضا تفاصيل الحالة المصرية فى الإعلان، ضمن حوار مع الدكتور مدحت العدل بإذاعة «دى آر إن»، حيث قال إنه فى ظل ارتفاع تكاليف وإنفاق القنوات الفضائية «إلى السماء»، والمنافسة الكبيرة على الإعلانات؛ قامت الفضائيات بتقليل سعر الإعلان «بطريقة مهينة»، ولهذا زادت أعداد الإعلانات للغاية، وبرغم ذلك «فالمصيبة» أن الفضائيات الخاصة تخسر 4 مليارات جنيه سنويا؛ تنفق 6 مليارات ودخلها ملياران فقط. كيف؟!. يعلل هذا بأن أصحاب القنوات هم رجال أعمال غير متخصصين فى الإنتاج التليفزيونى وكيفية إنشاء قنوات ناجحة، كما أن الوكالات الإعلانية أغرتهم، فدفعتهم إلى الإنفاق الكبير على أمل الربح عن طريق الإعلانات، وهو ما لم يحدث، ولن يحدث، لأن السوق المصرية محدودة.
أخيرا.. المسألة ليست معقدة. العلم والقوانين والخبرة وضعوا حلولا لها؛ إعلانات قليلة، وفواصل قصيرة، مع أسعار مرتفعة للإعلان تعوض تكاليف القناة، وقبل هذا كله محتوى تليفزيونى جاذب من برامج ودراما وغيرها. المسألة ليست اختراعا، لكن «الحالة المصرية» فى الإعلام والإعلان وغيرهما ستظل هكذا؛ عصية على الحل، مادامت بعيدة عن أهل الاحتراف والخبرة والكفاءة، باحثة فقط عن الاحتكار و«التكويش» والربح السريع، لكن هذا لن يدوم.