حسام حافظ
أبيض وأسود.. الموسم السنوي
كما أن شهر رمضان هو موسم عرض أحدث المسلسلات التليفزيونية. فهو أيضًا الموسم الأهم لاستيقاظ الخلايا النائمة التي تصدع دماغنا بالكلام الكبير عن القيم والأخلاق وتدمير المسلسلات لأخلاق الشباب ويذهبون لتقديم طلبات الإحاطة في مجلس النواب. ويذهبون للمحاكم لرفع القضايا علي نجوم ومؤلفي ومخرجي المسلسلات. وهكذا كل رمضان أصبح من المعتاد أن يتكرر المشهد العجيب.. ملايين الجماهير تشاهد يوميًا "نسر الصعيد" و"الأسطورة" وعشرة أفراد يصيحون في البرامج ويطالبون بإيقاف عرض المسلسلات. ومن الغريب اننا لا نخجل من تكرار هذا المشهد العبثي!!
ونقول لهؤلاء وأولئك إن مصر خلال الأربعين عامًا الماضية. تعرضت لهجمة شرسة من قوي التطرف الديني القادمة من البلاد الصحراوية التي لم تعرف الفن ولا السينما ولا المسلسلات طوال تاريخها "القصير". وهي مجتمعات خالية من المواهب الفنية سواء في التمثيل أو الإخراج أو التأليف. بالتالي فإن هؤلاء الذين عاشوا في الظلام أرادوا أن تعيش مصر أيضًا في الظلام. ويقومون حتي اليوم بالترويج للفكر المتطرف الرافض لكل أنواع الفنون وليست الجماهيرية فقط. انهم ينظرون للفنان والفنانة بوصفهما خارجين عن الدين ومطالبين بالتوبة بغض النظر عن نوع الفن الذي يقدمانه. وبغض النظر عن احترام إصرار ملايين الجماهير التي تجلس يوميًا لتشاهد المسلسلات طوال العام وليس في رمضان فقط.
ويبدو اننا أسرفنا في التفاؤل عندما اعتقدنا أن قوي الظلام في طريقها إلي الزوال. وأن رياح التغيير في المنطقة سوف تخرس ألسنة هؤلاء الجهلاء وبعضهم مأجورون لتعمد الظهور خلال رمضان والحديث ضد ما تقدمه المسلسلات دون أن يشاهدوها. ولكن فقط من أجل إثارة الرأي العام ضد الفن والفنانين. في حين أن الجمهور يجلس بالملايين ينتظر يوميًا أمام شاشة التليفزيون وموقع "اليوتيوب" لمتابعة المسلسلات.
طيب معني ذلك أن هذه المسلسلات تقدم الفن الراقي الذي يدعو للقيم الإنسانية والجمال. للأسف ليست كل المسلسلات تقدم الفن العظيم وهذا من الأمور الطبيعية. والذين يتباكون علي "زمن الفن الجميل" لا يعلمون أن السينما المصرية في عصرها الذهبي كانت تقدم سنويًا 90 فيلمًا. من بينها 10 أفلام فقط تعرض الفضيلة و80 فيلمًا تقدم الرذيلة والنهاية المؤلمة للرذيلة. وأتحدي أن تجد فيلمًا يحض علي الفساد أو يجعل الفاسدين ينتصرون في النهاية وهذا ما يحدث حتي اليوم في المسلسلات. لابد أن ينتصر الخير في النهاية ولابد أن يشاهد المتفرج المصير المؤلم للفاسد في نهاية المسلسل. ولكن أعداء الفن يكرهون المسلسلات لأنها تقدم حياة الناس في الواقع الحقيقي الذي يعيشونه. ويذكرونهم بالفشل الذريع لمخططاتهم طوال 40 عامًا لتغيير هوية هذا البلد ولم يفلحوا وانهزموا شر الهزيمة.