الجمهورية
على هاشم
معا للمستقبل .. عهد جديد.. خارطة أمل لإنسان جديد الإصلاح يبدأ من هنا.. الصين نموذجا
* خطاب الرئيس السيسي بعد حلف اليمين في مستهل ولايته الثانية بمثابة برنامج عمل وخارطة طريق هدفها النهوض بالمواطن المصري واستكمال البناء السياسي خلال السنوات الأربع المقبلة ..هذا البرنامج الذي ستعمل علي تنفيذه الحكومة الجديدة سوف يحدث تغييرات واسعة في التعليم والثقافة والفكر الديني وهي الملفات التي إن عولجت بكفاءة وحرفية سوف ترتقي بحياة المصريين وخصوصاً البسطاء وتنقلهم نقلة نوعية إيجابية تقطع الطريق علي المشككين والمزايدين ومشعلي الحرائق والفتن.. الساعين لدق الأسافين بين الشعب وقيادته وضرب الجبهة الداخلية وتمهيد التربة المصرية لحروب الجيل الرابع والخامس.
البرنامج الرئاسي إن صح التعبير ليس وليد اللحظة لكنه استكمال لما بدأه الرئيس السيسي من إصلاح اقتصادي واجتماعي وسياسي ينبغي ألا يتوقف حتي لا نعطي الفرصة لأعداء مصر الذين يتربصون بها ويتمنون لو عادت إليها الفوضي والسيولة السياسية والانفلات الذي ضرب البلاد عقب أحدث يناير.
ثمة متاعب تحملناها وسوف نتحملها جراء هذا الإصلاح» لكن آن الأوان أن يدفع الأغنياء ما يخصهم في فاتورة الأعباء الاقتصادية حتي لا تثقل كاهل الفقراء فقط. وهو ما قاله رئيس البرلمان بوضوح لا لبس فيه حينما تساءل أحد النواب عن ضريبة الثروة فقال د.علي عبدالعال لوزير المالية: "لابد أن تراعي ذلك الأمر".
الرئيس السيسي يعرف مثلنا أن ما نعانيه من اختلالات ليست نتاج مرحلة بعينها بل هي تراكمات سنين من الإهمال وافتقاد الإرادة والهمة السياسية . ولن تختفي تلك العلل إلا إذا أصلحنا أنماط تفكيرنا وعاداتنا وسلوكياتنا وفي المحصلة ثقافتنا إصلاحا شاملاً يبدأ من التعليم وينتهي بالبحث العلمي الذي بإمكانه تحقيق الإشباع والنهضة والقوة المأمولة..ولنا في تجارب الدول الناجحة درس وعبرة» فاليابان لم يكسرها الاعتداء النووي الأمريكي بل عادت أقوي مما كانت تناطح الكبار اقتصادياً وعلمياً وتكنولوجياً بفضل عزيمة شعبها ورغبته في قهر المستحيل. ومثلها كوريا الجنوبية التي كانت أقل منا ثم صارت نمرا آسيويا وكذلك سنغافورة والبرازيل التي عاشت تجربة تشبه حالتنا بل شارفت علي الإفلاس لكنها انتفضت اعتمادا علي قوتها الذاتية بالتعليم والشفافية والجدية الصارمة فانطلقت علي درب الكبار قوة اقتصادية بازغة ومثالاً يستحق التأمل والمحاكاة واستلهام دروس النجاح ..ليتنا نعرف كيف تولد فيها روح التغيير المنتج الخلاق ..وما يمنعنا في مصر أن نسلك سبيلاً مشابها يناسب حالتنا ويراعي خصوصياتنا ..وأظننا قادرين علي فعل المستحيل لو أردنا ببث روح الأمل واجتثاث الإحباط والوهن اللذين يحاول البعض إشاعتهما بيننا ليس من أعداء مصر المعروفين فقط بل من بعض المسئولين بأخطائهم وبعض المثقفين والإعلاميين الذي غلبت عليهم مصالحهم وأغراضهم الخاصة التي يفضلونها علي صالح الدولة.
في خطاب الرئيس السيسي ما يبشر بالأمل. ويبعث علي التفاؤل فثمة اهتمام بإعادة البناء السياسي الذي يحتاج من الأحزاب أن تنهض من مرقدها لتضطلع برسالتها السياسية والاجتماعية في وطن يواجه عواصف إقليمية وعالمية. ويصارع لأجل البقاء والنماء. وجبهة داخلية تحتاج إلي التوحد فماذا يمنع أن يكون لدينا حزبان أو حتي خمسة ولمَ لا تبادر الأحزاب الصغيرة إلي الاندماج والتوحد طوعاً استلهاماً لما هو قائم بأعرق الديمقراطيات فما أحوج الشارع السياسي إلي صحوة تعيد الحيوية إلي أوصاله وتمده بروح القوة من جديد» فعماد الديمقراطية التعددية وذروة سنامها التنافس والنضال السلمي وغايتها استيعاب حركة الجماهير والتعبير الصادق عن طموحاتها وآمالها وليس مجرد لافتة ومقر وصحيفة أو أيقونة للمعارضة الصورية التي لا تسمن ولا تغني من جوع..ومادامت الجماهير هي ميدان الأحزاب ومستقرها فلا مناص من النزول إليها والالتحام بها والأخذ بيديها نحو الحراك المنشود.
يحدوني أمل عريضى أن تشهد الولاية الثانية للرئيس السيسي حراكاً سياسياً تجتمع له قلوب المخلصين للوطن الداعمين للدولة ومشروعها الإصلاحي الذي أعلنه الرئيس بوضوح. مرتكزاً علي الثقافة والأخلاق والتعليم وتنمية الإنسان ركيزة أي نهضة حقيقية.
يحدوني الأمل أن نجد المسئولين والوزراء في الحكومة الجديدة وكل من يتصدي للعمل العام ويعمل في خدمة الجماهير علي دراية عميقة بحجم التحديات وجسامة المشكلات المزمنة . وأن يتحلي بالحس السياسي » عالماً بمقتضيات المسئولية السياسية واضعا برنامج الرئيس السيسي نصب عينيه. منفذاً أميناً لرؤية الرئيس في ملفات الصحة والتعليم والفكر الديني والإعلام والاقتصاد. مدركاً لعمق المخاطر المحدقة بأمننا القومي المستهدف من جانب قوي عديدة تحاول الإيقاع بمصر في أتون الفتنة.
لقد عبر بنا الرئيس السيسي نفقاً مظلماً حفره الإخوان وأهل الشر لإسقاط مصر والمنطقة كلها في براثن التقسيم والفوضي. وهو المشروع الذي لا يزال يراود أصحابه وأشياعهم الأمل في تحقيقه الأمر الذي ينبغي التنبه لمخاطره ودرء مفاسده فمصر في حاجة لتغييرات كبري لإصلاح ما فسد في عهود الأنظمة السابقة لاسيما فيما يخص العقل والضمير والأخلاق وثقافة العمل والإنتاج.
ما أحوجنا إلي تعليم عصري متطور يعيد صياغة الإنسان المصري وبناء منظومة تفكيره وقيمه وروحه وأولوياته وانتماءه الحق وإدراكه لحقيقة ما يجري حوله» تعليم يشحذ زناد العقل المصري ويبعثه من مرقده لينهل من فيض المعرفة ونور العلم وينقذ المجتمع من وهدة التخلف والسلبية والتواكل والإسراف وحمي الاستهلاك النهم ومن رواسب الجهالة والخرافة..ما أحوجنا لجامعات منتجة في ساحة الابتكارات والإبداع العقلي ترسم للعقل المصري دوره الحضاري وتمكنه من امتلاك ناصية العلم وإنتاج المعرفة والفكر ليعود كما كان منذ فجر التاريخ قائداً وملهماً.
ما يدعو للأمل أن الرئيس أعلن صراحة أنه لن يترك ملف التعليم للهواة وأصحاب الغرض والمصالح» فقد انتهت صلاحية منظومة التعليم الحالية بشهادة وزير التعليم ومهما نحاول إصلاحها بتطبيق نظم جديدة للامتحانات وتطوير المناهج وتدريب المعلمين فلن يتجاوز مستوي التحسن 20% ومن ثم فلا مفر من نسف حمامنا القديم وإنشاء نظام تعليمي جديد يبدأ بالحضانة مروراً بالمراحل العمرية المختلفة وصولا للدراسات العليا التي ران عليها كثير من الآفات والعلل فانفصلت الأبحاث والأفكار ونتاج الباحثين عن واقعنا وما زادت إلا أرفف المكتبات وعناوين الرسائل الجامعية.
مصر في حاجة ماسة إلي كوادر بشرية مبدعة في المجالات كافة ذلك أن مواردها البشرية متوفرة بكثرة لكنها كثرة غير مستثمرة »وإعادة استثمار تلك الطاقات هو المشروع الكبير الذي سيبدأ تنفيذه من العام الدراسي الجديد مع التغيير الجذري لنظام التعليم الذي نرجو أن يجري تنفيذه علي النحو الذي يساعد في وضع مصر علي الطريق الصحيح فليس لدينا خيار آخر ولا نملك ترف الانتظار أو التأجيل.
ثقافتنا الأصيلة تنتظر منا ابتعاثاً جديداً في عقول أجيالنا الجديدة حتي تبقي علي صلة بتاريخنا وإرثنا الحضاري ليبقي الاتصال بين الماضي والحاضر والمستقبل بلا تجاوز أو ادعاء ولا سبيل إلي ذلك إلا باستعادة لغتنا العربية من براثن الإهمال وجعلها لغة الخطاب والتعليم والبحث وتقديمها علي ما سواها والاعتزاز بها بحسبانها وعاء الثقافة ولغة الأمة وهويتها التي بإمكانها استنقاذ أجيالنا التائهة من براثن الغزو الحضاري المخطط ومنتجات الغرب التكنولوجية التي ارتمي شبابنا في أحضانها وأتقنوا لغاتها كما لم يتقنوا لغتهم الأم التي باتوا يرونها مهملة في زوايا النسيان.
تراجع الأخلاق بات ملمحا بارزا في أحوال المصريين اليوم وهو ما يتطلب تضافر الجهود لإصلاح ما طرأ علينا من متغيرات ظهر بعضها بعد أحداث يناير وما صحبها من انفلات طال كل شيء في حياتنا..ولنا في تتجربة الصين التي عمتها الفوضي في أعقاب ثورتها الكبري خير نموذج فما كان من الزعيم ماوتس تونج إلا أن قاد مجتمعه نحو ثورة أخري عرفت تاريخياً باسم الثورة الثقافية ليحصن بها الثورة السياسية من السقوط في مهاوي التردي» فكل تغيير سياسي واقتصادي واجتماعي لابد أن يجد أساسه في تغيير جذري للبنية الثقافية والأخلاقية..وقد حشد القائد الصيني أعضاء حزبه الشيوعي جنوداً في معركة التغيير الثقافي ومحاربة العادات والسلوكيات المرذولة حتي نجح في استعادة الفضيلة وها هي الصين تجني اليوم حصاد ما زرعه تونج من أخلاق ضبطت إيقاع مجتمعه وأعادت له روح الفريق وخلصته من نوازع الفردية والأنانية ورفعت مصالح الوطن والمواطنين فوق المصالح الشخصية.
خطاب الرئيس السيسي بمناسبة حلف اليمين كان بمثابة برنامج عمل وضع المسألة الثقافية والأخلاقية في صدارة أولوياته» الأمر الذي يجعلنا نستبشر خيرا فبالأخلاق تُبني الأمم وتسود الحضارات ويبقي أن تتباري مؤسسات المجتمع المدني لاستنهاض المجتمع ودفعه نحو إصلاح السلوكيات والعادات والمفاهيم المغلوطة وعلي الإعلام أن ينهض بدوره في صناعة رأي عام مستنير بأولويات الوطن وقضاياه الكبري وصياغة الوجدان علي أساس سليم.. وكفانا ما وقع من خطايا في أعقاب 25 يناير كرست للانقسام والفتنة ..وعلي الجامعات ومراكز البحث والفكر أن تجيب عن السؤال الأهم: كيف نستعيد الأخلاق الفضلي للمصريين؟
وكما أنقذ الرئيس السيسي وطنا بأكمله من براثن الفتنة والاحتراب الأهلي أيام الإخوان فإن الناس تنتظر من الحكومة الجديدة أن ترفع عن كاهلهم مرارة السنين وأن تحدث تحسناً ملموساً في حياتهم بحلول غير تقليدية لمشكلات مزمنة ..ولتكن البداية بالحرب علي الفساد والروتين والعقم الإداري والبيروقراطية العفنة التي تعطل مصالح البلاد والعباد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف