الجمهورية
جلاء جاب اللة
.. والسلام ختام .. قطوف رمضانية "4"
بدأت العشر الأواخر من رمضان.. وكان الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم يستعد فيها للعبادة أكثر من سواها وكان يجتهد في العبادة اجتهاداً وهو الحبيب المصطفي المنزه الذي لا ينطق عن الهوي عليه أفضل الصلاة والسلام.
بدأت العشر الأواخر.. وها هو شهر الخير يستعد للرحيل.. فهل سأل أحد نفسه.. ماذا استفاد منه؟ رحلت عشر المغفرة وعشر الرحمة.. وبقيت عشر العتق من النار.. فاللهم اجعلنا من عتقائك من النار ومن المقبولين.. فهل بدأنا الاستعداد؟
في هذه العشر.. ليلة هي خير من ألف شهر تنزل فيها الملائكة والروح بإذن ربهم من كل أمر.. هي ليلة سلام حتي مطلع الفجر.. وإذا كان بعض العلماء يؤكدون أنها ليلة السابع والعشرين وآخرون يؤكدون أنها ليلة وترية وليس مهماً أن تكون السابع والعشرين أي ليلة الحادي والعشرين أو الثالث والعشرين أو الخامس والعشرين أو السابع والعشرين أو التاسع والعشرين فإن الأمر أبسط بكثير.. لأنها ليلة في العشر الأواخر وعلينا ان نتحري هذه الليلة في كل ليالي العشر الأواخر من رمضان لعلها تكون تلك الليلة.. وما أدراك ما تلك الليلة؟ إنها خير من ألف شهر.. لا يقول الله سبحانه وتعالي إنها بألف شهر.. بل يقول وهو العليم الخبير سبحانه إنها خير من ألف شهر!! لذلك سألت السيدة عائشة أم المؤمنين الحبيب المصطفي: ماذا لو علمت ليلة القدر.. فماذا تقول؟ فعلمها الحبيب وعلمنا خلالها دعاء مختصراً جامعاً شاملاً بسيطاً وهو ان نسأل الله العفو والمغفرة في الدنيا والآخرة.. فمن وهبه الله العفو والعافية فقد حاز الدنيا وما فيها والآخرة ونعيمها.. وفي روايات متعددة إننا ندعو الله بأن يرزقنا العفو والعافية.. اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا.. يا كريم.
دعاء بسيط في كلماته.. كبير عظيم في معانيه وروعة الطلب من الكريم الغفور العظيم اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والدين والأهل والمال.. اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واحفظنا يا الله حفظاً من عندك واجبرنا جبراً يليق برحمتك وعظمتك يا الله.
ولعل أفضل ما نتحري به ليلة القدر في العشر الأواخر هو الذكر.. فعلينا ان يكون لساننا ذاكراً شاكراً بشكل دائم هذه الأيام.. وكثرة ذكر اللسان.. تجعل القلب ذاكراً خاشعا راضياً فاللهم افتح مسامع قلوبنا لذكرك وارزقنا طاعتك وطاعة حبيبك المصطفي صلي الله عليه وسلم وعملاً بكتابك وشرعك يا الله.
في هذه الأيام العشر لنحذر سارقي الفرحة والتقوي وأول هؤلاء اللصوص هم السهر علي المقاهي وفي الأماكن العامة بعيداً عن المساجد وأماكن الصلاة وبعيدا عن الذكر والشكر فلنجعلها أياماً لله بعيداً عن السهر فيما لا يرضي الله.. ولا أقول فيما يغضب الله.. حتي بعض الحلال المباح علينا أن نبتعد عنه لما هو أنفع وأبقي وأقرب للتقوي.. ومن سارقي هذه الأيام الجميلة التليفزيون الذي لم يقدم شيئاً يستحق المتابعة والسهر من أجله.. ولن يضرنا شيئاً ان نتجاهله ونتجاهل ما فيه من أجل تقوي القلوب ورغبة فيما عند الله من ثواب كبير.
ولعل اسوأ لص من لصوص هذه الأيام هو "الموبايل" ووسائل التواصل الاجتماعي التي تشدنا وتبعدنا عن الحق.. فهي سارق شديد الذكاء.. يسرق منك الوقت.. ويسرق منك الذكر.. ويسرق منك القرب من الله.. وأنت راض وسعيد ولن يضيرك شيئاً ان تبتعد نسبياً عن هذا اللص لمدة عشرة أيام فقط هي خير من ألف شهر.. لعل الله يرزقنا في هذه الليالي.. ليلة القدر..!
اللهم قنا شر أنفسنا وشر هذه اللصوص.. وارزقنا توبة نصوحاً فلنبدأ بالتوبة والاستغفار ونستكمل بالعمل الصالح. يا الله.. يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا علي دينك وتقواك.
وإذا كانت تلك هي خواتيم رمضان أي العشر الأواخر من الشهر الكريم فاللهم أحسن خاتمتنا.. وأحسن خواتمنا.. سواء في الأيام أو الأعمال.. أو العمر كله يا رب.
إذا نجحنا في هذه الأيام المبارك ان نقي أنفسنا شر اللصوص وسارقي الليالي.. فإننا نكون قد نجحنا في نصف المهمة.. والباقي هو الذكر..!!
وأفضل ما نبدأ به الذكر هو التوبة والاستغفار وسيد الاستغفار هو "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا علي عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت.. أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" وكذلك استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم.. وأتوب إليه.
كلمات بسيطة إذا قلتها وكان قلبك مشغولاً بها وروحك تعيشها في خشوع.. فإن الله قد وعدنا بالمغفرة وقبول الدعوات.
وبعدها يبدأ العمل الصالح.. والعمل الصالح كما يقول معظم العلماء ليس مقصوراً علي صلاة التراويح وصلاة القيام وقراءة القرآن فقط وهي أفضل العبادات إن شاء الله بعد الصلاة المفروضة ولكن المعاملات أيضاً من أفضل الأعمال الصالحة خاصة في هذه الأيام.. وخاصة الصدقة والبحث عمن يستحقها والوصول إليه وعدم المن عليه فإن كلمة أفضل من الصدقات.. فلا نتبع الصدقة منا وأذي.. فإذا بحثنا عن ليلة القدر في هذه الأيام العشر فلنبحث عنها كل ليلة.. بإطعام مسكين وفقير لا يجد قوته.. ومن يفعل ذلك فقد فعل فضلاً كبيراً.. وكذلك كسوة العاري وهناك اناس لا يسألون الناس تعففاً.. وفتيات لا يجدن لباساً مثل زميلاتهن فيشعرن بالألم والحزن.. لو نجحنا في أن نرسم الابتسامة علي شفاهن ومسحنا الدموع من أعينهن لكان ذلك فضلاً كبيراً.. ولاشك أن رفع الظلم عن مظلوم وجبر خاطر المكسور في هذه الأيام والليالي المباركة من أفضل الأعمال التي لو توافق مع ليلة القدر أيضاً لكان كل الخير قد كتبه الله لنا.
رفع الظلم وجبر الخاطر عمل لو تعلمون عظيم.. فاللهم اجبرنا واجبر خواطنا وكن معنا ولا تكن علينا وآثرنا ولا تؤثر علينا يا كريم.
ومن الأعمال التي يحبها الله الاصلاح بين الناس خاصة بين أهل البيت الواحد وصلة الرحم ومساعدة المريض الذي يبحث عن علاج وشفاء ومساعدة اليتيم الذي فقد أحد والديه أو كلاهما.
ان رفع الظلم عن مظلوم أو مواساته والوقوف إلي جانبه ودعمه حتي يسترد حقه وإعادة الحقوق لأصحابها ورد الامانات وتفريج هم المهموم حتي لو بكلمة طيبة في ساعة سوداء مظلمة والاصلاح بين الأهل.. والكلمة الطيبة لمن يستحق حتي ولو بالاستماع إلي شكواه وتخفيف همه.. وجبر خاطر مكسور مهموم مظلوم.. والمساندة المالية لمن هو في ضيق قدر استطاعتك.. والصدقة لمن يستحق بلا رياء ولا من ولا أذي كل ذلك أعمال عند الله عظيمة.. خاصة إذا حاولنا أن نتحري بها ليلة القدر لكنا من الفائزين.. ولنعد إلي دعاء النبي في هذه الليلة "اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا".. والعفو هو الصفح الكريم فما بالك عندما يكون من الكريم سبحانه وتعالي والعفو توفيق من الله.. وليلة القدر لا تأتي إلا لمن يستحقها فهل فعلنا الخير لعل الله يجعلنا من الذين نستحقها؟
همس الروح
يقول ابن القيم أكثروا من دعاء: "اللهم إنك عفو تحب العفو.. فاعف عنا".. فإن عفا الله عنك أتتك حوائجك دون مسألة.
الغفلة داء.. وذكر الله هو الدواء.. وكلما طهر القلب رق.. وإذا رق.. راق.. وإذا راق.. ذاق.. وإذا ذاق.. فاق.. وإذا فاق.. اشتاق.. وإذا اشتاق.. اجتهد.. وإذا اجتهد.. هبت عليك نسائم الجنة.
يقول حسن البصري: "أحسن فيما بقي يغفر الله لك ما مضي.. فاغتنم ما بقي فلا ندري متي ندرك رحمة الله".يقول ابن تيمية "العبرة بكمال النهايات.. لا بنقص البدايات".
يقول ابن الجوزي "إذا لم تحسن الاستقبال.. فلعلك تحسن الوداع".
رمضان يستعد للرحيل.. فلنحسن وداعه لعل الله يرزقنا ليلة القدرة ولا يحرمنا خيرها ونورها وبركتها وأجرها ويجعلنا من العتقاء.. آمين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف