سواء كانت تصريحات السيد صلاح إبراهيم محروس، رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية بوزارة الزراعة، حول دراسة نقل حديقة الحيوان من الجيزة، الى واحدة من المدن الصحراوية الجديدة هى الأصدق، أو أن النفي، الذى جاء على لسان الدكتور محمد رجائى رئيس الإدارة المركزية بوزارة الزراعة، من ان ما يتردد عن نقل حديقة الحيوان بالجيزة ليس إلا شائعات، لا يعلم احد مصدرها، هو الحقيقة، فان استقراء التداعيات التى احدثها الموضوع على المستوى الشعبي، تداعيات تعكس مخاوف وقلقا.. ومحملة بأكثر من رسالة، ولا يمكن إغفالها أو تركها تمر. جاء على لسان السيد مسئول وزارة الزراعة، ورئيس هيئة الخدمات البيطرية تفاصيل، عن اعتزام الوزارة نقل حديقة الحيوان، على مراحل ثلاث، سوف تبدأ بنقل الحيوانات المفترسة والإبقاء فى حديقة الجيزة على الطيور.. دعك مما احتوته تصريحات هذا المسئول، نصا، من ان طموحاتهم ان يشيدوا حدائق حيوان مفتوحة، على غرار ما هو موجود فى إفريقيا مع ان مصر لا تملك المقومات!، وان هناك دراسات حبيسة الأدراج فى انتظار استثمارات ضخمة، لكن اللافت هو ما استتبع نية النقل، وانعكس فى ردود الناس، سواء على مستوى أدوات التواصل الاجتماعى او فى اللقاءات، والقعدات.. بكل الوسائل حاول الناس التعبير، واتجهت كل المخاوف تقريبا الى فكرة واحدة.. فكرة البيع. بيع الارض.. وبسرعة قفزت الصورة الذهنية واضحة المعالم....هناك إرث طويل وعميق، من حكومات تتالت، باعت مصانع كانت تنتج كل ما يستر حياة، وتعمدت إفلاس شركات، وشجعت تبوير زراعات، وفعلت كل ذلك إعلاء لمنطق بيع الاراضي، كوسيلة مثلى لاستجلاب الموارد المالية.. تاريخ ليس بعيدا عمن يعيشون اليوم، تاريخ لم يبهت ولا بعدت معالمه.. تاريخ حمل منطق المقاولات وحفرت آثاره فى العقل العام والوجدان الجمعى.. الناس صارت تضع أيديها على قلوبها، خوفا من الهدم والبيع، والذى لم يكتف بالإطاحة بما يمكن نظريا تعويضه، بل وصل الى ما لا يمكن استعادته او إحلال بديل له.. معالم تاريخها ، التراكم عبر السنين، والذى ينسل تحت وطأة افتقادالرؤية ومنطق المقاولات والجهل، جزئية ، جزئية.. المصانع التى تم تفكيكها، وبيعت كأراضى بناء، والقصور الأثرية، والحقول التى كانت تطعمنا وهيمنة منطق الريع وليس العمل، والذى تبنته حكومات وأخذتنا الى لحظة لا نحسد عليها، كانت فى خلفية ردود الفعل الواسعة التى احدثها خبر اعتزام نقل حديقة حيوانات الجيزة التى شيدها الخديو اسماعيل والتى يبلغ عمرها ما يقرب من مائة وثلاثين عاما..
النفى السريع للخبر ووصفه بأنه شائعات لا يعرف مصدرها، كما قال رئيس الادارة المركزية بوزارة الزراعة، دكتور محمد رجائى ربما يكون قد خفف أو أرجأ المعركة، لكنه لم يقتلع الصورة الذهنية التى باتت مهيمنة على الاغلبية، من ان البيع ومنطق المقاولين، صارت له هيمنة، وان الناس غير واثقين مما يبدو على السطح من تصريحات حكومية، بل إن هناك دوما شعورا، ان النفى ، إنما جاء بعد ما كشفته بالونات اختبار فى تصريح المسئول الاول، وان المسائل عادة، ما تبدأ بنوع من التصريحات، كأنها بالونات اختبار، ربما تحتاج الى كر وفر، لكن الواقع والتجربة قد علما الناس، ان النيات، كى تتحول من شائعات لا يعرف مصدرها الى امر واقع، قد لا تحتاج لأكثر من سواد ليل!.
ميراث حكومات تتالت، على الناس، اعتمدت على الغفلة والتمويه وكل ما يمكن ان يحجب الرؤية، قد أورث الناس ما يمكنهم من الاستشراف وربما ما هو أكثر!.