الأهرام
علاء ثابت
بناء الإنسان المهمة الأكثر مشقة
بناء الإنسان هو المهمة الأكثر مشقة واللبنة الأساسية فى بناء الأوطان والحضارات، ومثلما هو الوسيلة للإنتاج والإبداع، فإنه الغاية أيضا من أجل أن يكون الإنسان أكثر إحساسا بالسعادة والأمان، ولذلك فإن بناء الإنسان والوطن مهمة متداخلة تجمع بين الفرد والمجتمع.

فالدولة التى تنشد نهضة حضارية تبدأ بالعناية بتعليم وصحة المواطنين، فالتعليم يرفع قدراتهم وينمى مهاراتهم وإبداعهم، ويجعلهم قادرين على التميز والعمل المنتج، بما يعم بالفائدة على المجتمع، وهناك ارتباط وثيق بين التعليم والحضارة فكل الحضارات القديمة وضعت نظما للتعليم وجعلته فى صدارة أولوياتها، وهو ما نحتاج إليه الآن أكثر من أى وقت مضى، فحالة مؤسساتنا التعليمية أقل كثيرا من طموحاتنا، وتعرضت لغبن شديد فى العقود الأخيرة، فالمبانى المدرسية أصابها الإهمال وكثافة الفصول مرتفعة للغاية والمعامل والأنشطة شبه غائبة، وانصب الاهتمام على الكتاب المدرسى العتيق الذى تقلص إلى ملخصات يضعها بعض المعلمين المحترفين فى طريقة التعامل مع الامتحانات المدرسية، التى أصبحت نمطية ومحفوظة وبالية، ابتعدت كثيرا عن التطور الكبير فى شتى مجالات الحياة.

إننا أمام مهمة وطنية كبيرة وهى تطوير التعليم، بما يجعلنا قادرين على سد الفجوة الواسعة مع الدول المتقدمة، وتعويض ما فاتنا فى العقود الأخيرة التى تراجع فيها الاهتمام بالتعليم، حتى أصبح يحرر شهادة لا قيمة لها، مثلما تراجعت مكانة المعلم الذى يجب أن يحظى باهتمام يبدأ برفع مستواه ومهاراته، ويخرج عن النمط القديم سواء بأدواته أو بمناهج الدراسة، وأن تصبح المدرسة مكانا محببا للطلاب، ويشعرون بقيمة وجدوى ما يتعلمون، وليس عبئا يريدون التخلص منه أو الهروب من محرابه، وحتى يكون للتعليم مكانته يجب أن يرتفع معدل الإنفاق عليه ورغم أن أولياء الأمور يدفعون مبالغ كبيرة فى التعليم الموازى فى الدروس الخصوصية والدورات التدريبية وغيرها، فإنهم لا يرحبون بدفع المصروفات فى المدارس الحكومية والعامة، وهى ازدواجية غريبة تؤدى إلى استمرار الأزمة، فلا التعليم الحكومى لديه الموازنة الكافية لعملية تطوير شاملة، ولا الدروس الخصوصية وما تستنزفه من مليارات توقفت, ولو أن أولياء الأمور دفعوا نصف ما ينفقونه على الدروس الخصوصية لتطوير التعليم العام لما احتاج أبناؤهم لتلك الدروس. لقد أصبحنا الآن أمام تعليم مجانى بالاسم فقط، لكنه مكلف جدا فى الحقيقة، وعلينا أن نتجاوز تلك الازدواجية لتوفير تعليم عام عالى الجودة وأكثر قدرة على تنمية مهارات وقدرات أبنائنا.

وتأتى الصحة فى مستوى لا يقل أهمية عن التعليم، حيث تعانى من المشكلات نفسها، فالمستشفيات العامة مجانية لكنها عاجزة عن توفير خدمات طبية بمستوى مقبول، وتعانى من تقادم أو غياب التجهيزات الطبية والمبانى المناسبة والأطقم الطبية من أطباء وممرضين وإداريين، وجميعهم لا يحصل على عائد مناسب يجعله متفرغا للعمل فى المستشفى الحكومى مثل معلمى المدارس الحكومية، وأصبح العلاج الموازى فى العيادات الخاصة مثل الدروس الخصوصية.

إن التعليم والصحة هما أهم أعمدة بناء الإنسان لهذا تضعهما إستراتيجية الدولة فى مقدمة أولوياتها، وهو ما يؤكده الارتباط العضوى بين اللحاق بركاب الدول المتقدمة وبناء الإنسان المصرى بالمفهوم الشامل الذى يوفر المناخ المناسب للإبداع واكتساب المهارات والمعارف والتفاعل الحضارى الخلاق.

وإذا كان التعليم والصحة أهم أعمدة البناء فإن الثقافة بمفهومها الشامل هى إحدى الركائز الأساسية لهذا البناء، وترتبط الثقافة بمجموعة من القيم هى ما يضمن أن يكون للمعرفة والتقدم أهدافا سامية، وأن يكون احترام العمل المنتج والعلم فى مقدمة تلك القيم. وللشعب المصرى مخزون حضارى كبير يظهر وقت الشدائد ويساعد على سرعة النهوض من العثرات، وعلينا أن نعيد اكتشاف ذلك المخزون وأن ننهل منه، فالمصريون قد شيدوا الأهرامات بعبقرية علمية وعمل جماعى شامل ودءوب.

ولا يمكن أن يكون أحفاد بناة الأهرامات فى أسفل السلم الحضارى الحديث، بل عليهم استعادة مكانتهم عبر العلم والعمل وروح الجماعة، وهو ما نفتقد إليه فى أبسط تفاصيل حياتنا اليومية بدءا من إلقاء القمامة فى الشوارع إلى نزع أغطية المجارى والإهمال الذى تعانيه المرافق العامة وحالة التكاسل فى أداء العمل فى المؤسسات الحكومية وتفشى الرشاوى كحافز لإنجاز أى معاملة مهما كانت بسيطة، ويجرى تعقيد كل معاملة لا لشىء إلا الحصول على رشوة أكبر، لكى ينجز الموظف العام عمله، بل إن تكدس المرافق والمؤسسات العامة أدى إلى بطء شديد فى العمل، فما كان ينجزه شخص واحد أصبح موزعا على أربعة أو خمسة، وكل منهم عليه أن يعيد قراءة وتدقيق الأوراق، وحتى يثبت أن له دورا فى العمل فعليه أن يبدى ملاحظات ما تعرقل المعاملة، ومن لا يجد له دورا فى العمل فإنه يصبح مصنعا لإنتاج الشائعات والنميمة والبحث عن عيب أو خطأ هنا أو هناك، ليثبت أن الآخرين غير أكفاء، بينما لا يهتم بأن ينجز شيئا نافعا، لتتحول مؤسساتنا العامة إلى معوقات عن العمل الحقيقى بدل أن تكون رافعة لزيادة الإنتاج وتسريع وتيرة الإنجاز.

إننا بحاجة إلى نقلة نوعية فى مختلف مجالات الحياة، وأن ننبذ القيم السلبية التى تسللت إلى حياتنا، ونخر سوسها فى مختلف المرافق والمؤسسات، وأن ننشغل بسبل رفع كفاءتنا وقدرتنا على الإنتاج، لأن تدنى إنتاجيتنا يجعلنا نلجأ إلى الاستدانة، لنحافظ على نمط استهلاكنا، والذى لا يمكن أن يدوم أو يتحسن، إلا برفع قدراتنا بالتعليم والصحة والعمل.

الدبلوم الأمريكى مرة أخرى

إحدى المشكلات التى تابعتها عن قرب، هى مشكلة الدبلوم الأمريكى غير المعتمد من جهة موثوقة، ليتحول إلى باب خلفى للفساد وشبهة التزوير بعد أن لقى إقبالا من أولياء الأمور الراغبين فى أن يتخطى أبناؤهم حاجز الشهادة الثانوية الصعب ويسهل لهم الالتحاق بكليات رفيعة المستوى، فاستغلت بعض الجهات هذه الرغبة لتفتح أبوابا جانبية بعيدة عن المعايير العلمية. وعندى أمل كبير أن يتمكن الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم من إغلاق هذه الثغرة، لإصراره على اقتلاع كل بذور وجذور الفساد، والطريق إلى إعادة الاعتبار والثقة فى الدبلوم الأمريكى يحتاج إلى أن يكون المسئول عن التعليم الدولى والخاص يمتلك مقومات ومواصفات خاصة، تؤهله ليشغل هذا الموقع البالغ الحساسية، وأن يتم الرجوع إلى جهة اعتماد واحدة وعريقة فى الولايات المتحدة الأمريكية، لتعتمد تلك الشهادات بدلا من الجهات غير المؤهلة، أو التى ليس لديها خبرات طويلة فى هذا المجال، بما يسد أى ثغرات لشبهات تلاعب أو فساد فى تلك الشهادة التى طالتها الشكوك فى أنها أصبحت بابا خلفيا للفساد والتزوير، وهو ما لا يتلاءم مع إستراتيجية وضع التعليم فى مقدمة الأهداف والمشروعات الوطنية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف