كان خطاب الرئيس السيسى أمام البرلمان مختصراً ومحدداً، فكان خطاباً بديلاً لخطة عمل لأربع سنوات قادمة. وكانت خطة العمل هذه تحدد التوجهات الأساسية والمجالات المحددة التى ستكون شغل الرئيس والنظام الشاغل فى المرحلة القادمة.
وقد تم اختصار هذه الخطة وتلك التوجهات وذاك المجالات فى قضية مهمة وهى بناء الإنسان المصرى الذى سيكون على رأس أولويات المرحلة القادمة.
نعم كانت المرحلة الأولى وفى ظروفها الاستثنائية وما تحمل من تحديات ومواجهات داخلية وخارجية وأمنية وسياسية واقتصادية ومجتمعية، حيث كانت أمام تحدٍ لإعادة هيبة الدولة قولاً وفعلاً، وإعادة الأمن والأمان والاستقرار واستعادة الدولة من شبيهها، وبالرغم من ذلك فقد كانت أيضاً مرحلة الإعداد الأولى والمبدئية لبناء الإنسان المصرى بإعادة الاستقرار والأمن والأمان ومحاصرة الإرهاب واستعادة دور الدولة الإقليمى والعربى والعالمى وإقامة المشروعات القومية وغير ذلك.
كان أيضاً هو الأرضية القوية والبنية الأساسية لبناء الإنسان المصرى، حتى ولو كانت هذه المرحلة تهتم بالحجر لصالح البشر.
الآن يعلن الرئيس السيسى خطته للاهتمام بالبشر وهم عماد البناء والاستقرار والتوحد لمواجهة التحديات للإمكان والتمكن من البناء المادى والمعنوى.
وإذا نظرنا وحللنا هذه الخطة جيداً، نرى أن كل ما جاء بها يهدف ويعمل ويراكم ما هو فى إطار بناء الإنسان المصرى.
فهذا البناء لا ولن يكون كلاماً يقال أو شعارات تردد، ولكن لابد أن تكون خطة متكاملة الأركان تحدد الهدف، وتعد الوسائل، وتقوم بالتنفيذ، وتفعل المراقبة، وتجيد التقييم، وتطبق الحساب إن كان سلباً أو إيجابا، ثواباً أو عقاباً، فبناء الإنسان لا يكون بغير تعليم عصرى يواكب العصر ويستفيد من التقدم يكون هدفه الأول الإنسان المصرى العصرى والمتقدم والمنتمى إلى وطنه. فالتعليم هو البوتقة التى تنصهر فيها الشخصية المصرية بتاريخها وهويتها، فلذا تكون هذه البوتقة وذلك التعليم هو الأداة الرئيسية لتكوين أرضية مصرية تجمع الجميع وتعد الجميع من أجل ولصالح الوطن. كذلك لن يكون بناء إنسان بغير الصحة خاصة بعد انتشار الأمراض العصرية المتعددة والمنتشرة وفى ضوء غلاء أسعار الأدوية بما لا يقاس ليس بالدخول فقط، حتى بما تملك الطبقات الفقيرة، هذا لو كان لديها ما تملك، إضافة إلى تدنى الخدمة بل غيابها فى المستشفيات العامة فى ظل انتشار المستشفيات الخاصة الاستثمارية إضافة إلى ارتفاع أجور الأطباء بما تخطى قدرات الطبقات المتوسطة العليا وحتى بعض الأغنياء فى الوقت الذى لا يتم فيه تحصيل الضرائب الواجبة والمستحقة على هؤلاء الأطباء.
ولذا وجدنا قانون التأمين الصحى الذى سيطبق فى بورسعيد حتى يطبق على الجميع بعد ذلك. وهنا قد وجدنا الرئيس أول ما اهتم فى خطابه أو فى خطته هو الاهتمام بالتعليم والصحة، خاصة أن التأمين الصحى لن يطبق قبل سنوات كما يجعل الرئيس والنظام يهتمان بالصحة حتى يطبق التأمين الصحى على الجميع.. وبالطبع فالنظام التعليمى الجديد سيطبق العام القادم على أولى ابتدائى سيكون إن شاء الله هو البداية الصحيحة والمأمولة لإصلاح التعليم كإحدى أدوات وأساليب بناء الإنسان المصرى.
ولم يغفل الرئيس ولا الخطاب، دور الثقافة فى هذا البناء، حيث هى ضلع الثالوث للصحة والتعليم. الشيء الذى سيجعل وزارة الثقافة بكل مؤسساتها تعيد صياغة عملها التقليدى وهو الاهتمام بالتعليم فقط بما يلزم تفعيل دور قصور الثقافة بشكل عملى بعيداً عن الشعارات، وأول لوازم التفعيل هو إعداد العاملين بالثقافة للدور الثقافى الذى لا يقل عن الدور التعليمى والدينى فى بناء الإنسان المصرى وهذا دور مفقود فى ظل النظام الوظيفى المصرى إضافة إلى إعادة دور السينما التى تحولت إلى مولات تجارية وذلك بقيام قصور الثقافة كبديل مع نزول الفرق المسرحية والفنية إلى المدن والقرى والنجوع، وبغير ذلك لن يكون للثقافة دور ملموس ومطلوب فى عملية بناء الإنسان المصرى، فهل هذا هو كل ما طرحه الرئيس لهذا البناء؟ بالطبع لا، فعملية البناء قواعدها اقتصادية سياسية ثقافية اجتماعية، فالصحة والتعليم هما أهم الأعمدة فى أى بناء سياسى واقتصادى، إضافة إلى رؤية الرئيس التى وضحها فى الخطاب حول الإصلاح الاقتصادى، فوجدنا هذه الخطة قد ربطت الإصلاح الاقتصادى بهذه الشبكة من برامج الحماية الاجتماعية حتى يكون هناك توازن بين الدخول والأسعار، خاصة بعد أن تحملت طبقة الفقراء وغير القادرين بل الطبقة المتوسطة أيضاً نتائج عملية الإصلاح، وقد وضح الرئيس هذا كثيراً بل دائماً ما يقدر تحمل هذه الطبقات لفاتورة الإصلاح، ما يستدعى الآن الاهتمام الأكبر بشبكة الحماية هذه، وإن كانت الظروف والأعباء الاقتصادية غير قادرة على الوفاء بما هو مطلوب ومقدر ولكن توزيع الأعباء على الجميع هو باب التوازن السياسى.
الذى يرضى الجميع هنا لابد أن ندرك أن بناء الإنسان لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية أو الثقافية أو التعليمية أو الصحية فحسب، ولكن لابد أن يكون هناك مناخ سياسي يقبل الآخر ويستمع للمعارض ويحقق المواطنة بكل ما تعنى دستورياً وقانونياً حتى يتحقق التوافق الوطنى والوحدة الوطنية لحماية الوطن وخلق مناخ سياسى توافقى يتم على أرضيته بناء الإنسان المصرى.. ولذلك وجدنا الرئيس يقول إن اصطفاف الشعب المصرى هو الأداة الحقيقية لمواجهة كل التحديات والصعوبات مع العلم أن الاصطفاف الشعبى أول مقوماته هو الإحساس بأن الوطن هو وطن كل المصريين مؤيدين ومعارضين مختلفين أو متفقين فالإحساس بملكية الوطن هو الباب الملكى للانتماء الذى يوحد التآلف ويحقق التوحد ويؤكد الاصطفاف، ولذا قال الرئيس «مصر للجميع وأنا رئيس لكل المصريين من اختلف معى ومن اتفق»، ولم يستثنِ غير الإرهابيين الذين لا يريدون غير مصالحهم على حساب الوطن والدولة، هنا قد فتح الرئيس الباب لمرحلة جديدة بحق غير المرحلة الأولى حيث مرحلة استعادة الدولة فى ضوء إرهاب دولى فُرِضَ على مصر محاربته نيابة عن العالم كله، فلم يكن هناك مساحة للرأى الآخر فى ظل خلط الرأى المعارض المتدثر برداء الإرهاب والذى لا يملك غير القتل بديلاً للرأى، الآن يعلن الرئيس أنه رئيس للمختلف والمتفق، والأهم فى إطار هذه الخطة وتحقيقاً لحماية الرأى الآخر وقبوله عملياً لا شعاراتيا وجدنا الرئيس يقول سنعمل على تحقيق تنمية سياسية حقيقية بجانب ما حققناه من تنمية اقتصادية.
هنا يمكن أن نقول إن عناصر الخطة الرئاسية مكتملة بالفعل تؤكد الجدية بعيداً عن الوعود فالتنمية السياسية الحقيقية هى بالفعل الرأى والرأى الآخر هو أن يكون هناك معارضة حسب الدستور والقانون فالمعارضة هى المصباح الذى ينير طريق الحاكم، نتفق فيما نتفق، ونختلف فى إطار اختلاف الرأى، لا يفسد للود قضية، فالرأى والرأى الآخر كلاهما يعملان لصالح الوطن حسبما يوفق كل منهم، فلا مجال للتخوين ولا حماية وطنية على أحد غير الدستور والقانون وهذا بالطبع غير الإرهابى الذى لا علاقة له بالدستور ولا القانون ولا الرأى.. وهنا على من أجادوا التطبيل لمصالحهم، نقول لهم فى ضوء متطلبات المرحلة القادمة يجب أن تأخذوا جانبا ونعطى الفرصة للجميع أن يبدى رأيه ويشارك فى البناء وينتظم فى الاصطفاف الوطنى.
الرئيس السيسى لا شك المهمة صعبة والتحديات كبيرة وشعب مصر معك قادر إن شاء الله على هذه الصعاب وتلك التحديات.. قلت يوماً إن الشعب لم يجد من يحنو عليه، والآن ينتظر الشعب ما هو بعد الحنو وهو البناء الحقيقى لمصر وللإنسان المصرى الذى وعدت به حتى تظل مصر بالفعل وطناً لكل المصريين.