المصريون
جمال سلطان
لماذا تضللون الناس في مقارنات أسعار الوقود ؟!
الموجة التي تنتشر الآن في الصحف الرسمية والخاصة المؤيدة ومواقعها الالكترونية تتحدث عن أن أسعار البنزين والوقود بصفة عامة في مصر أقل من نظيرها في بلاد أخرى كثيرة ، وزيادة في التأكيد على "تدليل" المواطن في مصر من قبل الحكومة ، يقولون لنا أن أسعار الوقود في دول الخليج التي تنتج النفط هي نفسها أعلى من أسعاره في مصر التي تستورده ، ويضربون لك المثل بمقارنة أسعار الوقود في الامارات أو السعودية أو قطر أو الكويت ، وأحيانا في أمريكا أو غيرها من الدول .
بطبيعة الحال ، هذا قصف إعلامي مركز واضح تمهيدا للقرار المخيف والمنتظر برفع أسعار الوقود في مصر ، والذي تتردد الحكومة في اختيار توقيته ، نظرا لتحسبها من عواقبه على الشارع وخشية حدوث اضطرابات أو مشكلات ، وربما كانت أحداث الأردن سببا في توتر زائد ، بعد انتفاضة غضب واسعة وخطرة على رفع أسعار الوقود والضرائب وأمور أخرى ، اضطرت الحكومة إلى التراجع عنها ، ولذلك تكثف تلك الصحف الموالية في مصر من تلك المقارنات يوميا ، بل على مدار الساعة ، لكي تمهد الخواطر والنفوس والعقول لتقبل هذا القرار الخطير المنتظر ، ولكي تقول للمواطن أن عليه أن يشكر الحكومة ويقبل يدها ، لأنها تدلله زيادة عن اللزوم !.
والحقيقة أن طرح مثل تلك المقارنات هو عمل بالغ السخافة والجهل أيضا ، وخارج حدود أي منطق أو عقل ، هو محاولة استغفال للناس ، فقط لا غير ، لأن أسعار كل شيء في أي بلد يرتبط بمتوسط الدخل للأسرة ، ومتوسط الرواتب ، التي تتيح للمواطن قدرة شرائية ، أو قدرة على استئجار ، أو أسعار المواصلات ، أو الخدمات العامة ، أو أي تعاملات حياتية ، فأنت في القاهرة ، وفي أرقى أحيائها تستطيع أن تستأجر شقة بما يعادل مائتي دولار أو ثلاثمائة دولار ، ولكن نفس تلك الشقة بمواصفاتها ومساحتها تستأجرها في لندن بألفي دولار أو ثلاثة آلاف دولار ، لأن متوسط الدخل هناك يسمح بذلك ، بل يفرض ذلك ، ونفس تلك الشقة بمواصفاتها ومساحتها يمكن أن تستأجرها في مانهاتن بالولايات المتحدة بستة آلاف دولار إلى عشرة آلاف دولار شهريا ، فأن يأتي لك "عاقل" لكي يقارن بين الإيجارات في حي مصر الجديدة بالقاهرة ـ مثلا ـ بالإيجارات في حي مانهاتن في نيويورك ، لكي يقول لك أن الناس في مصر تعيش في دلال ، فهو فاجر في الاستعباط ، أو أمي يحتاج إلى تعليم .
وهؤلاء الذين يقارنون بين أسعار الوقود في الإمارات مثلا ، بأسعاره في مصر ، لكي يقولوا أنه أرخص في مصر من البلاد التي تنتجه ، يتعمدون إخفاء اللوحة الكاملة التي ترى فيها أسعار الوقود في الامارات أو قطر أو السعودية ، ففي الإمارات على سبيل المثال متوسط الدخل الشهري للأسرة يصل إلى اثنين وأربعين ألف درهم إماراتي ، أي أكثر قليلا من مائتي ألف جنيه شهريا ، بينما متوسط دخل الأسرة في مصر يتراوح حول مائة وستة وأربعين دولارا ، أي أكثر قليلا من ألفين وستمائة جنيه ، وبالتالي فعندما يكون سعر لتر البنزين في دبي يصل إلى ما يعادل عشرة جنيهات ، فهو لا يفرق كثيرا مع دخل شهري لأسرة المواطن يصل إلى مائتي ألف جنيه ، ولكن نفس هذا السعر للتر البنزين يكون ظالما وباهظ الثمن ومدمر اوخراب بيوت في مصر لأن الراتب أقل من راتب نظيره في الإمارات مائة مرة ، أي أن العدل في المقارنة يقتضي أن يكون سعر الوقود في مصر أقل من سعره في الإمارات مائة مرة .
والمؤسف هنا أن متوسط الرواتب ودخل الأسرة في مصر هو أدنى بكثير من نظيره في أغلب دول العالم ، ولا مجال لمقارنته بالوضع في دول الخليج ، حيث البون شاسع ، لأن متوسط الراتب الشهري في الامارات على سبيل المثال 3235 دولار ، وفي قطر 2959 ، وفي الكويت 1906، وفي السعودية 1725 ، بل إنه حتى في دول أفريقية ، كانت تعيش على المعونات حتى وقت قريب ، الحال افضل من مصر ، فمتوسط الرواتب في رواندا ـ على سبيل المثال ـ هو 265 دولار شهريا ، أي قرابة ضعف الرواتب في مصر ، وبشكل عام فإن متوسط الرواتب في ناميبيا وزيمبابوي وكينيا وأثيوبيا وأوغندا وتنزانيا وموريشيوس أفضل من مصر بأضعاف ، لأن الجميع من حولنا كان يخطط ويعمل ويتطور ، بينما في مصر توارثتنا نظم وحكومات تحترف بيع الكلام وتسويق الأغاني الوطنية الصاخبة ، وأفيونة حضارة سبعة آلاف سنة ، فتقدم الجميع من حولنا ، وبقينا نحن في عالم الأوهام وخدر العظمة التاريخية وأم الدنيا ، فلماذا تفتحوا علينا أبواب النكد والمواجع ، أليس فيكم رجل رشيد .
ارحمونا من جهلكم ، إن لم ترحمونا من لهيب الأسعار والغلاء الفاحش .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف