اليوم السابع
أحمد ابراهيم الشريف
الأفاضل.. سكارليت أوهارا.. حكاية العالم الجديد
لا أعرف حتى الآن ما الذى جعلنى أختار رواية «ذهب مع الريح» التى كتبتها مارجريت ميتشيل، فى سنة 1936، دون كل الكتب الموجودة فى مكتبة الجامعة لأقرأها، وتظل من بعدها واحدة من أفضل ما قرأت، وتبقى عالقة فى ذهنى رمزًا على نوع معين من الكتابة التى تعتبر صناعة الملحمة أحد أهم أهدافها.


بعد ذلك بسنوات عندما شاهدت الفيلم المأخوذ عن الرواية، والذى قدمته فيفيان لى وكلارك جيبل، واحتل ترتيبًا متقدمًا على مدى السنوات، ربما الأول، لفترات طويلة فى تاريخ السينما العالمية، عرفت أن الكتابة الجيدة قادرة على التشعب والتأثير المتواصل.

المهم أن شخصية «سكارليت أوهارا»، بطلة الرواية، ابنة الجنوب الأمريكى، التى وجدت نفسها فى وسط حرب أهلية تأكل كل شىء الشباب والخير والأرض، قد لفتت انتباهى بشدة، فهى مرسومة بشكل جيد جدًا للتعبير عما تفعله الحرب فى الناس، تدفعهم للتخلى عن أحلامهم، وتحمل لهم قيمًا يقتضيها العالم القديم كى يدخل بكل قوة إلى عنفوان العالم الجديد، الذى ترسم خريطته بالدماء.

هذا العالم الجديد الذى غير قيم الأرض، وجعلتنا نوافق على كل ما تفعله «سكارليت أوهارا» من تصرفات طائشة ومجنونة، حتى أننا نوافق على أنها تخدع وتقسو وتكذب من أجل المحافظة على أرضها التى استولى عليها الشماليون المنتصرون وأتباعهم.

نظرت سكارليت حولها وللتغيرات التى تطيح بكل شىء وأدركت أن هناك دورا «صعبا» لا بد أن يقدمه أحدهم لينقذ ما يمكن إنقاذه من تاريخ ومستقبل هذه الأسرة، لذا وجب عليها أن تتخلى عن رومانسيتها، من أجل مصلحة الجميع.

هى فى الحقيقة لم تتخل عن رومانسيتها تماما، بدليل أنها ظلت تحب «أشلى» طوال هذه الملحمة بشكل غريب، لكنها عرفت أن هناك أوقاتا فى زمن الشعوب والدول والأسر على العقل أن يتدخل بعض الشىء ليحد من العاطفة المنطلقة، ويضع بدلا منها حلولا عملية لأزمات غير منتهية.

هل أحببت «سكارليت أوهارا» لا أعرف، أحببتها أحيانا وكرهتها أحيانا، لكننى فى الحالتين، آمنت بشدة بضرورة وجودها فى الحياة، لأنها الوحيدة القادرة على التعامل مع هذا الوحش المسمى العالم بقوانينه الجديدة وشعاره الخطير «الحياة لمنتهزى الفرص».

بقى أن أتحدث عن مارجريت ميتشيل، مؤلفة الرواية، والتى صنعت منها ملحمة كبرى فقد كتبتها فى أكثر من ألف صفحة وجعلتها حافلة بالحروب والشخصيات والتغيرات، ولم تكتب غيرها، واستطاعت أن تبيع 50 ألف نسخة فى يوم واحد، وتحصل بفضلها على جائزة البوليتزر 1937، وأكدت أن العمل الجيد يفرض نفسه ويصنع المجد لصاحبه، على مر السنين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف