فيتو
بشير حسن
المتلونون ( ٨ )
التلون والانقضاض على العمل السياسي لم يقتصر على الدعاة الجدد (الكاجوال) أمثال عمرو خالد ومعز مسعود ومصطفى حسني كما أوردنا في الأسبوع الماضي، لكنه امتد لدعاة السلفية الذين صدعونا بالزهد في السياسة كما الزهد في الدنيا، واكتشفنا فيما بعد أنهم يعيشون في ترف، وأن السياسة نصب أعينهم حتى لو انشغلوا بغيرها.

وإذا كان لأحداث يناير فضل في تعرية الكثيرين من الذين تاجروا بالوطن، فقد كشفت أيضًا الذين تاجروا بالدين، لن أتحدث عن تأسيس الأحزاب السياسية التي هرولوا إليها، ولكن عن تغيير مواقفهم التي تباينت بعد أحداث يناير، مثلهم مثل الإخوان، ولكن لكل شيخ طريقته، حرموا الخروج على الحاكم.. ثم ثاروا عليه، انتقدوا أحداث يناير.. ثم شاركوا فيها، تضامنوا مع اعتصام رابعة.. ثم توسطوا لفضه سلميًا.

قد أكون صادمًا، لكن الشيخ محمد حسان ليس منزهًا ولا بعيدًا عن النقد، سمعناه يثني على مبارك، ثم رأيناه في ميدان التحرير مع المتظاهرين، حاول فصل نفسه عن المشهد السياسي.. ثم رأيناه ينخرط فيه عندما اعتلى محمد مرسي مقعد الرئاسة، بل أنه استعرض عضلاته أثناء التعديلات الدستورية التي أجراها مرسي، ملوحًا بعشرات الملايين من الشباب الذين ينزلون إلى الشوارع لمواجهة أي قوة تسعى للنيل من محمد مرسي..

فلكل شيخ أتباعه من الشباب، وإذا طالبهم الشيخ بالنزول إلى الشارع سوف يستجيبوا على الفور، هذا ما قاله الشيخ محمد حسان على قناته (الرحمة) أثناء رفض الشعب للتعديلات الدستورية، وأخذ يبرر لمرسي فعلته، مؤكدًا أن الرافضين للتعديلات يقابلهم مؤيدون، ثم بدأ دور حسان يتلاشى بتلاشي حكم الإخوان أمام ثورة الشعب، وحتى لا نبخسه حقه..

كان للرجل دور في محاولة إثناء الإخوان عن الاستمرار في اعتصام رابعة، وإن كنا نرى أن دوره الحقيقي يبدأ مع بداية تغول الإرهاب لتوعية الشباب في أقاليم مصر بحرمته وخطورته، مستغلًا ملايين الشباب من أتباعه وزملائه من شيوخ السلفية، الذين تحدث عنهم لحماية تعديلات مرسي الدستورية.

أما مسألة جمعه للتبرعات والتي قيل إنها زادت عن الستين مليونًا.. فبالتأكيد ذهبت إلى مكانها الصحيح، لأن محمد حسان أكبر من أن يضعف أمام هذه الأموال، وأظن أنه ليس بحاجة إليها ولديه ما يكفيه.

ونأتي للشيخ محمد الزغبي وهو من شيوخ السلفية أيضًا ويضاهي محمد حسان في جماهيريته، لقد وضعني هذا الرجل في حيرة بآرائه المتضاربة عندما قرر هو الآخر الخوض في السياسة، كان الزغبي دائم الثناء على مبارك، رافضًا لتكفيره، مشيدًا بإنجازاته، ومهاجمًا لمن يتطاول عليه، وطالما نبذ فكرة الخروج على الحاكم، وفجأة..

تحول الرجل إلى النقيض بعد أحداث يناير، فقد خاض في السياسة، وهاجم مبارك، بل رآه مجرمًا وطالب بإعدامه، وعندما سئل.. هذا لم يكن رأيك فيه ؟ فقال إنه لم يكن يعلم حجم ما ارتكبه من جرائم في حق الشعب، وطالب الزغبي بالتعجيل بإعدامه، وقبل أحداث يناير كان حديثه عن أمن الدولة شيئًا، وبعدها كان على النقيض.

الدفع بهذه النماذج لا يهدف إلى تشويههم، فمع احترامنا لشخوصهم، وتقديرنا لعلمهم، نحن نتناول فقط مواقفهم مع الأنظمة، لندق جرس إنذار، فقد كانوا مع مبارك، ثم صار عدوهم، وكانوا ضد التطرق للسياسة.. ثم خاضوا فيها، ثم كانوا مع مرسي، وسرعان ما انقلبوا عليه بعد رحيله، وها هم مع السيسي، فهل نأمن جانبهم ؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف