الأهرام
أنور عبد اللطيف
حكومة العشر الأواخر!
موروث مصرى عريق فى التصرف تحت ضغط المفاجأة، نكتشف فجأة أن رمضان وصل، ثم نكتشف فجأة أن مقالب رامز بايخة وهى تضيع علينا أيام الرحمة، وقبل أن تضيع أيام المغفرة نتكدس فى المساجد والزوايا لتصحيح المسار فى عشر العتق من النار، فيدهمنا قبول استقالة الحكومة وتكليف المهندس مصطفى مدبولى بتشكيل حكومة الفترة الثانية المعنية باستكمال الإنجازات، وقبل أن تنتهى مشاورات التشكيل الحكومى تفاجئنا موافقة البرلمان السريعة على مشروع قانون تنظيم الإعلام ليهدد كل النيات الطيبة لمشاركة صاحبة الجلالة فى بناء الإنسان وإٌشراك الصحفيين فى إدارة صحفهم!

المنطق يستوجب شكر الرجل الشريف وحكومته على استكمال المشروعات القومية بنجاح، لكن مؤشرات الأداء تقول إنها تعمدت الصدمات الكهربائية فى قراراتها الجماهيرية، فقد تولى المنصب وكان سعر شريط (الديموكرون) لعلاج السكر ثلاثة جنيهات وغادره أمس بعد أن قفز سعره إلى 15 جنيها، وكان سعر الجنيه 12 سنتا من الدولار وتركه أمس ثابتا منذ التعويم حول خمس سنتات، أى 18 جنيها للدولار، صحيح حدثت طفرة من النجاح فى القضاء على فيروس «سى»، لكن قابلتها طفرة فى أسعار أدوية القلب والضغط و... وحتى لبن الأطفال،.. أما آخر أزمات حكومته فكانت مع قطاع الفلاحين، فقد قررت تخفيض زراعة الأرز فى الدلتا فاختفى المعروض من الأسواق فى القاهرة والمدن، واضطرت وزارة التموين لاستيراد كميات عاجلة من آسيا لسد حاجة السوق المحلية، مفاجأة «شريف» هى إنعاش حياة الفلاح الفلبينى والهندى والصينى على حساب الفلاح المنوفى والدقهلاوى والفيومى!

وفى مسلسل تطفيش الفلاح الذى قامت ببطولته وزارات الرى والزراعة والتموين فى العقود الأخيرة عايشنا الدكتور جودة عبد الخالق الذى صدع رءوسنا بمحاضرات عن انحيازه للعمال والفلاحين لكنه كان أول وزير يعالج جشع التجار باستيراد الأرز من الهند، ووقتها نصح الناس بان يستخدموا لسان العصفور فى المحشي، ونال جزاءه بلقب وزير لسان العصفور، وبدلا من اتجاه الحكومة لتحقيق الاكتفاء الذاتى من الأرز وتحسين السلالات عالية الإنتاجية سمعنا مصطلح محشى المكرونة فى عصر حلول الدكتور على مصيلحي، عندما رفض استيراد الشعير من الفلاح وتخزينه فاختفى من الأسواق، واضطر الناس للاعتماد على المكرونة فشاطت أسعار القمح، وعرض الأسواق لمخاطر استيراد الأرز الفلبينى والهندى الذى أطلق عليه الدكتور نادر نور الدين عصر الأرز البلاستيك، ليس لأنه يتطلب مضغا أطول أو يتصلب عندما يبرد، لكنه يصنع من أكياس النايلون فعلا، وطريقة صناعته منتشرة على الإنترنت واحتمال وصوله إلينا خطر قائم وداهم مع خطورته على صحة المصريين، ومع الاستمرار فى خفض زراعة الأرز بارت الأرض وهجر الفلاح الزراعة وزادت الهجرة غير الشرعية وتكدست المدن بالعاطلين، وشعر الفلاح بالتهميش، وتغادرنا حكومة شريف فى أيام العتق من النار وقد وضعت حكومة مدبولى أمام ثلاثة بدائل مرة فى مسألة الأرز، أولها: ان يستغل بعض التجار عديمو الضمير معاناة الناس باستيراد الأرز المصنع من البلاستيك الشفاف فى الخارج وهذا لم يحدث حتى الآن، وثانيها: قيام التجار بسحب الأرز من الأسواق تمهيدا لرفع الاسعار فلا يقل سعر المستورد عن 16 و 18 جنيها للكيلوجرام وبالتالى يرتفع الأرز المحلى الى أعلى من 20 جنيها، والبديل الثالث: استيراد الأرز الأبيض أو الشعير من الخارج كما حدث أخيرا.

وفى كل الأحوال ورغم احترامى لشخص الرجل الشريف والبنية الأساسية التى نفذها لكن حكومته استحقت لقب (حكومة الصدمات) بسبب المفاجآت الصادمة فى التعويم والزراعة ونظام التعليم دون شرح أو توضيح، وقبل العرض على مجلس النواب كما حدث فى أسعار المترو،

ورئيس الحكومة المستقيل خريج مدرسة البترول التى تتعامل بالملايين مع شركات دولية وتكسب المليارات ويتقاضى موظفوها رواتبهم بمئات الألوف، فلا حرج عليه إن فتح السوق لحساب التجار والأغنياء!وهنا يكمن سر تفاؤلى برئيس الوزراء الجديد خريج مدرسة الإسكان الاجتماعى والتعمير، الذى حاول بإٌخلاص القضاء على جنون أزمة السكن والعشوائيات واهتم بتحسين مشروعات الصرف الصحى وتجميل ظروف معيشة الغلابة فى كل المحافظات، وحافظ على طابع موحد لكل مستويات التشطيب، يشعرك بأن وراءه رؤية دولة لا تفرق بين سكان الدويقة والأسمرات وشق التعبان وسكان العلمين وسوهاج الجديدة والمنيا الجديدة والفيوم الجديدة، ٍوعلاوة على ذلك فإن أسلوب مصطفى مدبولى الحاضر دائما بالحجة ـوليس الصامت ـ يجمع بين الإنجاز وجمال العرض والتفكير الجماعى يعينه جهاز إعلامى قادر على إقناع الناس بان الدولة لا تنساهم!

دعواتى لكل المصريين فى ليلة القدر، «يارب وطن لا يُهد.. ودعوة لا تُرد .. وباب الحرية لا يخطفه منا حد!..»
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف