المصريون
جمال سلطان
هل هناك ملعوب في قرار منع عرض فيلم كارما ؟
ضجة حدثت أمس عندما قررت الرقابة منع عرض فيلم "كارما" للمخرج السينمائي خالد يوسف ، قبل أيام قليلة من موسم العيد ، وهو الموسم الذي يراهن عليه تجاريا صناع السينما والمنتجون ، وكان القرار مفاجئا وغريبا ، كما مثل صدمة كبيرة في الوسط الفني ، وأثار ردود فعل سلبية للغاية ، لدرجة أن لجنة السينما في المجلس الأعلى للثقافة قررت تقديم استقالة جماعية من المجلس بسبب ما حدث ، واصدرت بيانا بتوقيع أعضائها ، جاء فيه ما نصه : (إن هناك انهيارا غير مسبوق في مناخ حرية الرأي والإبداع على جميع المستويات وتجاهلا مهينا وواضحا للمثقفين والفنانين المصريين في كافة المجالات) .
مما ضاعف من صدمة القرار أن الرقابة كانت قد وافقت على سيناريو الفيلم من قبل ، وبالتالي فإن رفضها عرضه في مصر بعد ذلك غريب ، ناهيك عن أنه ورطة للمنتج والمخرج ، لأنه خراب بيوت وخراب جيوب ، فلماذا وافقتم عليه في البداية ولماذا اعترضتم بعد الانتهاء منه وقبل عرضه في موسم العيد بأيام قليلة ، وكان مخرج الفيلم خالد يوسف قد نشر تغريدات وتصريحات على مواقع التواصل الاجتماعي يحتج فيها بشدة على ما حدث ، ويستغيث ، ثم حذفها بعد ذلك ، وبعد أن تم تسوية الخلاف ، وإعادة التصريح بعرض الفيلم .
أيضا ، مما أثار استغراب الكثيرين ، أن مخرج الفيلم خالد يوسف هو من الموالين للنظام الجديد ، وهو صاحب "فيلم" 30 يونيه والذي أشرف على تصويره ونشرته السلطة الجديدة على نطاق واسع لإثبات حجم حراك الشارع ضد الإخوان والرئيس الأسبق محمد مرسي ، وعندما يعارض خالد النظام في موقف هامشي فإنه يمسه مسا خفيفا ، ولا يأخذ أي موقف صارم أو صدامي من النظام ، ليس فقط لأنه جزء منه ، بل لأنه يعرف أن مصالحه ستكون في مهب الريح ، ولا كرامة له ولا لغيره مهما قدم سابقا للنظام ، والعاقل من اتعظ بغيره .
خالد أعلن بعد ذلك أن "جهات سيادية" تدخلت وأنهت المشكلة ، وقدم شكره لتلك الجهات "السيادية" ، دون أن نعرف ما هي تلك الجهة السيادية ، لأن "الأسياد" كثروا في الفترة الأخيرة ، كما أن كل "سيد" أصبح له تقديره في مصلحة الوطن والنظام ، وأحيانا تختلف التقديرات ، ويمكن أن يصيبك "كتف" قانوني أو غير قانوني ، من هذا السيد أو ذاك ، من غير أن يكون ذلك موقف دولة ككل أو نظام بشكل واضح ، وفي حالة فيلم "كارما" فالرقابة لم تكن ـ بكل تأكيد ـ صاحبة قرار حظر عرضه ، لأنها كانت صاحبة قرار عرضه ، والمسألة محرجة بل وفضائحية لها إن تناقضت قراراتها على هذا النحو الفج ، وإنما الموقف كان تعليمات ، ولا يوجد أي جهة يمكن أن تملي على موظفي الرقابة موقفا جديدا وقرارا مخالفا لقراره السابق إلا "جهة سيادية" ، وبالتالي فلنا أن نفهم أن جهة سيادية رأت في الفيلم شيئا تكرهه ، أو فسرته على نحو سيء وجارح للنظام ، وأن جهة "سيادية" أخرى تدخلت بعد الضجة وأمرت الرقابة بالاستمرار في عرض الفيلم .
لم أشاهد الفيلم حتى الآن بالطبع ، ولكن من الواضح أنه يحمل إسقاطات سياسية ، لأن أغنية الفيلم الأساسية ـ والتي يقدمها المطرب الشعبي أحمد شيبه وهاني عادل ـ تحمل إشارات يمكن تفسيرها بأنها تقصد سياسات النظام ، بل والرئيس نفسه ، فكلماتها ـ على سبيل المثال ـ تقول :
سرقونا وطاروا لفوق
وسابونا نعافر تحت
مهما ينادينا الشوق
نحيا ونموت في الفحت
يقولولنا بكره تروق
ولا مرة في بكره ارتحت
وأنا من سكه وانت في سكه ...
وبقية الأغنية على هذا النحو ، وفي جو مشحون ومترصد مثل الذي نعيشه في مصر الآن ، وتقديم سوء الظن دائما ، وسوق المزايدات المفتوح بلا سقف من جانب المتسابقين في نفاق النظام ، يجعل من السهل التصيد لتلك الكلمات وتفسيرها على أنها تشهير بالنظام وبوعود الرئيس السيسي نفسه ، وأرجح أن هذا ما حدث ، قبل أن تتدارك جهة أخر الأمر .
بعض المراقبين للمشهد يرى أن المسألة كلها "ملعوب" من أجل تسويق الفيلم والدعاية له ، باعتبار أن الضجة حوله دعاية وتسويق ، وهو أمر مشهور في بلادنا بالفعل ، ولكني أعتقد أن هؤلاء المحللين يحسنون الظن أكثر من اللازم بطريقة اتخاذ القرارات الرسمية الآن ، الأمر أبسط من ذلك ، وفكرة أن هناك الجهات التي "تتكتك" من أجل خدمة مخرج سينمائي أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع ، نحن في مناخ سياسي يمكن أن يسجن فيه شخص ملحد بتهمة الانضمام لجماعة دينية ، ويمكن أن تسجن مسرحية بكاملها ، بمؤلفها ومخرجها والممثلين فيها تقدم على مسرح نادي يرأسه أحد أقطاب النظام ، للاشتباه بأنها تروج لدعاية ضد النظام ، ... والله أعلم .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف