الجمهورية
المستشار محمد محمد خليل
حوار أم صدام
الإسلام هو خاتم الأديان جميعاً أمر أتباعه بدعوة الآخرين إلي طريق الحق والخير والهداية بعقل متزن يحسن العرض والجدال "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة. وجادلهم بالتي هي أحسن" "سورة النحل آية 125" وذلك دون انتظار عما إذا كانوا سيؤمنون أو لا يؤمنون. "إنما أنت مذكر. لست عليهم بمسيطر" "سورة الغاشية آية 21. 22" وجاء في كتاب الله عز وجل الذي أنزله علي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم الآيات الكثيرة التي تدل علي أنه سبحانه وتعالي أمر المسلمين بالجدال الحسن والحوار الجميل. مهما كانت نتيجة ذلك الحوار ومهما طال الجدال. وفي تطبيق ذلك قام المجتمع الإسلامي يضم بين مواطنيه يهوداً ونصاري دون ان ينتقص من حقهم شيئاً كما لم يقص منهم أحداً بسبب اختلاف الديانة أو بزعم الصراع بينهم وبين المسلمين. بل وصل التكامل مع الحضارات الأخري بإطلاع علماء المسلمين علي علوم غيرهم من الإغريق والفرس وترجموا كتبهم وعلقوا عليها وشرحوها وأضافوا إليها الأمر الذي استفاد منه العالم كله وعندما قامت الحروب الصليبية في الفترة من 1095 حتي 1291 ميلادية وكان ذلك قمة الصراع الإسلامي الغربي. ويمثل صداماً قوياً في نظر الأوروبيين فترتب علي ذلك ان تقهقر الشرق الإسلامي وتعطل التقدم والإبداع حتي سيطر العثمانيون علي الشرق الإسلامي كله. وأداروا صراعاً مع الغرب التي تفتقت عبقريته الشيطانية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بزرع دولة إسرائيل في قلب الأمة العربية لتكون شوكة دائمة وجرحاً غائراً في جسد تلك الأمة.
ولكن ذلك كله لم يجعل الشرقيين أو المسلمين بمعني أصح في حالة صدام أو صراع مع حضارة الغرب ولكن الصراع أو الصدام أخذ شكلاً آخر هو الجهاد لتحرير البلاد من ربقة الاستعمار واستمر انحياز مفكريه إلي اعتناق فكرة ان العلاقة بين الشرق والغرب هي علاقة صراع وصدام وليس علاقة حوار مقتنعين بذلك علي أساس ان الغرب القوي المبدع الخلاق لا يمكن ان يتحاور مع ضعيف خامل مقلد يعيش عالة علي ما يقدمه إليه وإلي البشرية من عناصر الرقي والتقدم وكان علي رأس المفكرين الذين تبنوا فكرة الصدام والصراع في العصر الحديث صامويل هنتنجتون صاحب كتاب صدام الحضارات. وفرانسيس فوكوياما الأمريكي من أصل ياباني صاحب كتاب نهاية التاريخ والإنسان الأخير وغيرهم كثير وان كان هناك بعض المفكرين الكبار لا يقر فكرة الصراع أو الصدام مثل أرنولد توينبي.
واستشعر المسلمون نظرة الغربيين لهم بالدونية تسوقها الكراهية ويغلفها العداء الشديد ولم يكن ذلك قاصراً علي الأفراد العاديين أو المفكرين فقط وإنما كانت نظرة الحقد والعدل تصل إلي قلوب الساسة ومعاونيهم وورد في تقرير قدمه مستر روستو المستشار الأول للرئيس جونسون سنة 1964 ونقله إلي العربية سعد جمعة في كتاب المؤامرة ومعركة المصير صفحة 87 قائلاً: "لكي يغدو بامكاننا تفهم العلاقة مع الشرق يجب ان ندرك ان تلك الخلافات بين إسرائيل والعرب لا تقوم بين دول أو شعوب بل تقوم بين حضارات.. ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب أي خضعت الحضارة الإسلامية للحضارة الغربية وتركت هذه السيطرة آثارها البعيدة في المجتمعات الإسلامية.. ثم أضاف بعد كلام كثير.. وان كان الشرق الإسلامي قد تحرر من سيطرة الغرب السياسية لكنه لم يستطع الخروج من سيطرة الغرب الحضارية. ان ثروته البترولية تصنع وتسوق بالعقول الغربية والأساليب الغربية والآلة الغربية.. ان غلبة الحضارة الأوروبية في الشرق وهي العدو القديم للحضارة الإسلامية قد أورثت العربي المسلم العشور بالضعة والمهانة والصغار أمام طغيان تلك الحضارة التي يمقتها ويحترمها في نفس الوقت".
وأخيراً فإن الشرق الإسلامي مهما تحدث المفكرون من أبناءه عن الحوار وأهميته والدعوة إليه فلن يكون لذلك قيمة أو مكانة أو أدني اعتبار ولن يتقبل الغرب فهم ذلك حتي ولو كان التسامح هو الروح الذي تسيطر علي أفعال المسلمين إلا إذا كان هذا الشرق ينافس أو حتي يشارك في تقديم ما ينتجه الغرب من أدوات وآلات وكافة ما يرقي بالإنسان.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف