الأهرام
أسامة الألفى
تاريخنا ليس للبيع!
فى عام 1977م وفى عهد الرئيس الراحل أنور السادات حدثت ضجة كبيرة، حين أُعلن عن إقامة مشروع سياحى ضخم عند هضبة الهرم، يتضمن ملاعب للجولف، وأثارت د. نعمات أحمد فؤاد القضية على صفحات الصحف داخل مصر وخارجها ومن بينها «الأهرام»، معلنة رفضها لهذا المشروع، ومبدية تخوفها من تأثير المياه والرطوبة على الآثار، ولم يتوقف جهدها عند حد الكتابة والتحذير، لكنه امتد إلى إقامة دعوى ضد رئيس الجمهورية نفسه، ولم تهدأ إلا بتراجع الرئيس السادات عن قراره.

وإذا كنت وأبناء جيلى نذكر بفخر هذا الموقف للمفكرة الراحلة، فإننا اليوم نشعر بالغضب من أجل مصر وتاريخها، حين نرى شاشات التليفزيون تعلن عن مدينة سكنية على مساحة 550 فدانا ترى الهرم مباشرة، ومشروع سياحى فى مواجهة «أبى الهول»، يقال إنه لملياردير مصرى بالتعاون مع شركة أماراتية وشركة الصوت والضوء المملوكة للحكومة. فهل أصبح تاريخنا للبيع؟ وهل صارت آثارنا حكرًا على السائحين وأثرياء العرب والقادرين من أصحاب الملايين، وممنوعة على الشعب الكادح، مثلما حدث قبلا لشواطئنا؟

إن العالم كله حين يذكر مصر يذكر الأهرامات وأبا الهول، إذ كانا - لا يزالان - رمزًا لحضارتها، فهل نذبح تاريخنا ونقدمه قربانًا للأثرياء، ونضرب مثلاً سيئًا فى عدم الانتماء لشبابنا الباحث عن قدوة؟ وهل صار المال اللغة الوحيدة المعترف بها فى بلادنا على حساب القيم والتاريخ والمستقبل؟

ماذا سيقول خوفو وخفرع ومنقرع وباقى الأجداد، حين يجدون مراقدهم محاطة بالغابات الأسمنتية التى تحول بين أحفادهم وبينهم، وآثارهم تتلوث بالصرف الصحي، ويتشوه عبقها التاريخى وجمالها العبقري، وماذا سيقول أبو الهول لو تخلى عن صمته ونطق؟!

هل يمكن لفرنسا أن تبيع اللوفر وبرج إيفل وشارع الشانزليه؟، وهل ترضى بريطانيا بتحويل «هايد بارك» وحدائق وندسور إلى غابات أسمنتية؟ الإجابة بالطبع لا، فالتاريخ لا يُباع ولو بمليارات من الذهب، فهو عنوان كرامة الأمة.

إن هذه مشروعات محكومة سلفًا بالفشل، لأن أحدًا من المصريين لن يقبل ببيع تاريخ بلاده، كما أن المجتمع الدولى لن يصمت على تحويل الأعجوبة الوحيدة الباقية من عجائب الدنيا السبع إلى «كمبوند» للأثرياء، وعلى الحكومة أن تراجع الموقف وتتذكر تهديد منظمة اليونسكو بشطب آثارنا من سجلاتها، وأن مصر اضطرت قبلاً إلى دفع مائة مليون جنيه من مال الشعب تعويضًا لشركة «جنوب الباسفيك» عن فسخ عقد مشروعها «صحراء سيتي»، وقد كان أهون شرًا من المشروع الحالي.

إن أخطر ما نخرج به من تداعيات هذا المشروع، زيادة شعور الشباب بعدم الانتماء، خاصة أن الهوية المصرية تعرضت خلال العقود الثلاثة الماضية لنوع من الاستلاب، قضى على الطبقة الوسطى لصالح طبقة رأسمالية تنتمى للمال، وبانهيار دور هذه الطبقة التى حملت دومًا مشعل الحضارة والوطنية، عانت الهوية المصرية ضياعًا، وتعرض مجتمعنا لهزة قوية بفقده ديناميكية مثقفيها، الذين طالما قادوا مصر فى سنوات التحرر والبناء، ومثلوا نبراسًا لطموحات الشعب.

إن تحديث مصر وتنميتها فى شتى المجالات، لن يتم إلا بالحفاظ على هويتها، التى تعتمد فى تطورها على مجموعة خصائص مشتركة مثل الثقافة واللغة والإثنية والدين، يجمعها عنصر التاريخ، ومتى ضاع التاريخ ضاعت الهوية.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف