الأهرام
عبد الرحمن سعد
العيد.. بمفهوم جديد
"ما أشدَّ حاجتَنا -نحن المسلمين- إلى أن نفهم أعيادنا فهمًا جديدًا، فتجيء أيامًا سعيدة عاملة، تجدِّد نفوسنا بمعانيها، لا كما تجيء الآن كالحة عاطلة ممسوحة من المعنى، أكبر عملها تجديد الثياب، وتحديد الفراغ، وزيادة ابتسامة على النفاق"ّ!..
هكذا تحدَّث مصطفى صادق الرافعي، قبل أكثر من نصف قرن، عن "فلسفة العيد"، كأنه يحدثنا عن عيد الفطر، الذي نستقبله - نحن المسلمين - اليوم وقد امتن الله علينا بأن جعله، عيدين، إذ يحل في يوم "الجمعة"؛ وهو العيد الأسبوعي للمسلمين، فتستحضر النفس فيه أعظم معنى للعيدين: الأسبوعي، والسنوي، وهو الإصرار على تجديد الإحساس بالحياة، وفتح صفحة جديدة مع الله.

يقول علماء النفس إن تصرفات الإنسان انعكاس لما يعتمل في ذاته، فإن كانت الأخيرة تتسم بالاتزان، وتتصف بالهدوء؛ فسوف تأتي مواقفها مع الآخرين، مرآة لما انصبغت به تلك النفس من العلم والحكمة والرحمة، أما إن كانت مضطربة مشوشة فمهما حاولت أن تبدو بخلاف ذلك، لم يرشح عنها سوى النزق، والشطط.

ويأتي عيد الفطر هذه الأيام بفرصة جديدة للحياة، إذ يتحقق العيد السعيد للمرء بأن يكون له عيد حقيقي مع نفسه، بأن تكون له لحظة اختلاء بها، ووقفة حساب، وتجميل، لها.

يقول الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي، في قصيدته بعنوان "فلسفة الحياة": "والذي نفسه بغير جمال.. لا يرى في الوجود شيئا جميلا". ويتابع: "فتمتّع بالصّبح ما دمت فيه.. لا تخف أن يزول حتى يزولا"، مردفا: "ما أتينا إلى الحياة لنشقى.. فأريحوا، أهل العقول؛ العقولا". مختتما قصيدته: "كن جميلا.. ترى الوجود جميلا".

من هنا يجب علينا أن نستقبل عيد الفطر، ونحن نستحضر أن العيد الحقيقي إنما هو عيد "الفكرة الصائبة، والحركة الرشيدة"، بتعبير الرافعي، وبالتالي لا تقف فرحتنا به عند حدوده أو ساعاته، بل تتحول حياتنا كلها إلى عيد، وهو عيد الفرح المتصل، الذي لا ينقطع أبدا.

إنه الفرح بالله "ربًا وإلهًا ومنعمًا ومربيًا"، كما قال ابن القيم.

والفرح برسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذ جعله الله رحمة للعالمين.

والفرح بالتوبة، ففي الحديث النبوي: "للَّهُ أَفْرحُ بتْوبةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سقطَ عَلَى بعِيرِهِ، وقد أَضلَّهُ في أَرضٍ فَلاةٍ".(متفقٌ عليه).

والفرح بالإسلام والقرآن، إذ نستذكر قول الله: "قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ". (يونس:58). "يَجْمَعُونَ" أي: "يجمع الكافرون من متاع، وضِيَاع". وفي قراءة: "تَجْمَعُونَ"، خطابا للمسلمين، وفق التفاسير.

إنه الفرح كذلك لفرح الصحابة. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ".

وهو الفرح أيضا لفرح الشهداء، الذين فرحوا بالإسلام في الدنيا؛ فامتد فرحهم إلى الآخرة؛ لقوله تعالى: "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ َيحْزَنُونَ". (آل عمران:169 و170).

أخيرا، تذكرنا فرحة العيد بسرور أهل الجنة، جعلنا الله منهم. إذ قال سبحانه عنهم: "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً". (الانشقاق:7-9).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف