الوطن
رجائى عطية
من حديـث الخاطر
الشخصية الإنسانية محصلة عاملين كبيرين: استعدادات، وتراكمات، والعلاقة بينهما علاقة صائرة لا تنقطع طوال مراحل عمر الآدمى، تورى وتنبئ الاستعدادات بكمية ونوع وعرض وعمق التراكمات، وتتفاعل التراكمات مع الاستعدادات تفاعلاً دائماً لا ينقطع، تضيف فيه الاستعدادات أو تنخر فيها بقدر موازين ودقائق هذه العلاقة الديالكتيكية التى تتراوح بين التأثير والتأثر.

لذلك فوهم كبير أن تعزى القدرات الشخصية إلى افتراضات تفرق تفريقاً تحكمياً بين الذكورة والأنوثة أو بين الشيخوخة والشباب أو أن تعزو شيئاً يدين للشباب وتفقده الشيوخ أو العكس!



الآدميون لاعتيادهم الدائب الدائم على استخدام حواسهم ينسون أنها ليست مصدر حياتهم، ولا هى كل ظواهر ومساعى هذه الحياة، ولا يدركون إدراكاً واعياً أنها جزء فقط من أجزاء تكوينهم، وأداة من أدوات خدمتهم التى جاد بها خالقهم؛ فانصراف الآدمى بقضه وقضيضه إلى إشباع حواسه أو تركيزه على لذاتها ومتعتها تعطيل لإنسانيته يشبه الإخصاء لها ويحول بين حياته وبين تمام النمو والنضج ويحرمها من الترقى والتطور اللذين تنتظرهما وتحصل عليهما إن رشدت وانتفعت بجماع مواهبها واستعداداتها التى أنعم بها عليها بارئها!

إذا كانت اللذات الحسية لا تنمحى بانتهائها، بل تبقى لفترة مُرضية للعقل من جهة أنها إشباعات لحاجات طبيعية، فإن لذّات الفكر تحتفظ بأضعاف ذلك بقيمتها إذا نُظر إلى ما تطلعت به وما وصلت إليه مما هو حقيقة دائمة وليس مجرد اتزان جسدى!



ما زلنا إلى اليوم نختلف فيما يسمى طبقات ودرجات البشرية فى الجماعات اختلافاً واضحاً.. بلغ الآن شدته وتزاحمه وتداخله وفروقه وتباينه.. وكلها فروق وتباينات تدور حول «الأنا» التى تنفصل تماماً عن غيرها بين تلك الطبقات والدرجات.. ففى القمة يسود التميز والتنعم والقيادة والسيادة، وفى الأوساط التى مالت إلى الضعف والاضطراب حيث المساواة والجهد والعمل وقدر من الأمان والرضا وأحياناً القناعة، وفى القاع زاد ويزداد الشعور بالفقر والحاجة والخوف والغل مع انعدام المبالاة بأى شىء!



ما عندنا نحن الآدميين من المعرفة مما يمكن أن نسنده لأنفسنا هو حصاد الارتقاء من مرحلة الوعى الساذجة إلى مرحلة أو مراحل الفهم.. وهذه لا آخر لها ولا نهاية.. لأن حياة الآدمى منذ زمن تخالطها تطورات فهمه لحياته ومحيطه والكون، وهى فى طريقها إلى الامتزاج والملازمة لهذا التطور الذى لا يمكن أن ينتهى.

وهو فهم مهما تعاظم وتعمق لا يُعقل أن يستوعب وعى ما يسميه الآدميون المطلق والأزلى والأبدى وغير المحدود فى أى اتجاه، لأنه خلف كل اتجاه وداخل أى اتجاه دون أن يتجدد!



الحقوق فى الدساتير متقابلة، مع الواجبات من ناحية، ومع حقوق الغير من ناحية أخرى. لا توجد فى كل الشرائع حقوق مطلقة، ولا يوجد فى شرعة العدل حق لا يقابله واجب، أو حق مقابل لآخر أو للجماعة.

حد الفرد فى استعماله لحقه، أن يقف عند حدود حق الآخرين وحق المجتمع فلا يتعداها!



قيل فى توبة التائب العائد إلى ربه: أرأيت غائباً غاب عن أهله، فأذنهم بقدومه. أليس إذا قطع مسافة القاصدين وسلك فى محجة الداخلين، تلقوه بالترحاب وأسرعوا إليه فرحين مستبشرين؟

الله تعالى حليم تواب مهما عظمت الذنوب، رقيب وإن خفيت الهموم.



البعد تعرفه بالقرب، والقرب تعرفه بالوجود. ولكن الله تعالى لا ينتهى إليه وجود، وهو الأقرب إلى عبده من حبل الوريد.



طبيعة البشر لا تعرف الكمال، وحاجاتهم تتحول دائماً إلى رغبات، والسماح والعفو لديهم والنسيان أقرب من الفهم الصحيح الذى لا يبالى معظم الناس بقيمته. لم تتمكن أغلبيتهم الغالبة جداً حتى الآن من الانتقال من الفهم السطحى الناقص، إلى الفهم المتكامل الصحيح.. وذلك لانغماسها الشديد فى العواطف والأهواء.. هذا الانغماس الذى لا يسمح ولا يعطى فرصة حقيقية للهدوء والاعتدال والرزانة واحترام العقل والفطنة!



ذاكرة الآدمى لا تستقبل إلّا ما يعيه، فهى لا تعى شيئاً وتختزنه إلّا إذا صار موضوعه موضوعاً للوعى كإدراكنا فى اليقظة لما رأيناه فى المنام من صور الحُلم ومحاولاتنا أحياناً لتفسيره وتأويله بلغة الوعى، أى بلغة ما من لغات البشر.. كذلك وعى الآدمى للإلهام المفاجئ الذى لا يدرى دواعيه ولا ينتظره أو يتوقعه من قول يقوله أو فعل يفعله أو يتجنبه، فيصادف وقته موقعه اللائق الصائب وكأنه البرق الخاطف لمع فجأة فى وعيه واستجابت له إرادته بلا تردد ودون أى تفكير سابق فيه.. وحتى الآن ليس لدى وعى الآدميين وسيلة لتيارات اللاوعى أو لاستدعاء الإلهامات أو لما يسمونه بالكشف ومعرفة الغيب والمستور أو رؤية المستقبل أو إبصار ما لا يبصره البشر عادة من بعيد!!



إرادة الآدمى ليست كل حياته المدركة، وإنما هى دائماً جزء منها فقط.. وقد يتسع سلطان الإرادة البشرية باتساع السطوة أو باتساع الفهم والمعرفة والاعتدال فى التعامل مع الحياة، وهذا النوع من الاتساع يسلم بتلك الغوامض وبدورها فى وجود الأحياء والحياة.. والأديان من قديم توصى بذلك الاعتدال الذى يجمع بين الفهم والرزانة والإيمان فى أنظمة انتهت بانتهاء أهلها، وفى أنظمة أخرى ما زالت باقية صار دور ذلك الاعتدال فى أهلها محل نظر!



الارتفاع السريع، غالباً ما يسكر ويخدر ويميل بصاحبه إلى المبالغة والثقة غير الواعية بصحة حساباته وتوقعاته، وقد يدفع به إلى فرض نظره وتوقعه على من حوله.. فيدفعون فى النهاية ثمنه ويتحملون ضلال نتائجه، لقاء ما ملأ به عقولهم وأحلامهم الساذجة من الوعود الكاذبة والأمانى الباهرة الهائلة التى تؤول فى النهاية إلى سراب ويصيبها الإخفاق والفشل وتعريض الموجود للضياع!



لا يجتمع الإخلاص فى القلب مع محبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس!

علامة صحة الإرادة، أن يكون هم المريد رضا ربه واستعداده للقائه، وحزنه على وقت مرّ فى غير مرضاته، وأسفه على ابتعاده عن التقرب إليه والأنس به. وجماع ذلك أن يصبح ويمسى وليس له همّ غيره.
من فقد الصبر واليقين كان كمن أراد السفر فى البحر بغير مركب!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف